دعاء أم ذم

دعاء أم ذم

Supplication or blame


 في أحد أيام بغداد، وبينما كان الخليفة العظيم هارون الرشيد مجتمعًا مع أصحابه في مجلسه الرسمي، دخلت امرأة تحمل في كلماتها حكمة وبلاغة جعلت الجميع يصمت ويصغون باهتمام. تقدمت نحو الخليفة، وقالت بصوت واثق ملؤه الفصاحة والذكاء:

"يا أمير المؤمنين، أقر الله عينك، وفرحك بما أتاك، وأتم سعدك، لقد حكمت فقسطت."

تعجب هارون الرشيد من هذه الكلمات التي لم تكن مجرد تحية عابرة، فسألها: "ومن تكونين يا هذه المرأة التي تتحدث بهذه البلاغة؟"

فأجابت المرأة بثقة وفخر: "أنا من آل برمك، الذين سقط رجالهم وأخذت أموالهم، وسلبت ممتلكاتهم."

ابتسم الخليفة بحكمة وقال: "أما الرجال فقد كتب الله لهم ما كتب، وأمره نفذ. أما المال فسيعود إليك."

ثم التفت إلى الحاضرين في المجلس وقال لهم: "هل تدركون معنى كلمات هذه المرأة؟"

أجابوه: "نراها تقول الخير والحمد."

فابتسم هارون الرشيد وقال لهم: "لا أظنكم فهمتم ما قالت حق الفهم. فحين قالت 'أقر الله عينك'، تعني أسكنها، لأن العين إذا سكنت عن الحركة أصابها العمى. وعندما قالت 'فرحك بما أتاك'، أخذت التعبير من آيات القرآن الكريم التي تقول: 'حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة'. أما 'وأتم الله سعدك' فهي اقتباس من شعر يقول: 'إذا تم أمرٌ بدا نقصه، ترقب زوالاً إذا قيل تم'. وأخيرًا، حين قالت 'لقد حكمت فقسطت' فهي مستعيرة من قوله تعالى: 'وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا'."

وهكذا أظهر الخليفة حكمة المرأة وفصاحتها، وأثبت للجميع أن العرب يتميزون بلغة غنية بالبلاغة والفصاحة التي تختزن معانٍ عميقة في أبسط الكلمات.

Post a Comment

أحدث أقدم