أرضُ الأكاذيبِ
سَأَلَتْ تراسورذي، مُعلمةُ الصَّفِّ السَّادس: «ما مِهْنَةُ والدتِك يا كلارا؟»
تَوَجَّهَتْ جَمِيعُ الأنظارِ في قاعةِ الدَّرسِ مُباشرةً إلى الطَّالبةِ كلارا جورمان، مِمَّا جَعَلَ وَجْنَتَيْها تَحمَرَّتا لِدَرَجَةٍ شَدِيدَة، حتَّى كادتا تَشتعِلانِ نارًا.
وأجابَت كلارا على الفورِ وبدونِ تَفكير: «إنَّها طبيبةٌ مُتخصِّصَةٌ في جِراحةِ الدِّماغِ، وتَعمَلُ في مَشْفًى مُمتاز.»
فقالت المُعلمةُ لطالبتها وهي تُبدي إعجابها: «أوووه، إنَّها اختِصاصيَّةٌ في جِراحةِ الأعصابِ كما تقولين.»
فأجابت كلارا مُتلعثمةً: «نعم، جِراحةُ أعصاب (تَلفِظُها بشكلٍ خاطئ)، هذا صحيح.»
وسألتها المُعلمةُ مرَّةً أخرى: «وما مِهْنَةُ والدِكَ يا كلارا؟» فأجابَت كلارا بفخرٍ واعتزازٍ: «إنَّه مهندسٌ معماريّ. لقد جاء إلى أوشاوا ليُساهِمَ في بناءِ مفاعلٍ نوويٍّ جديد.»
وسألتها المُعلمةُ أيضًا: «وكيف تُمضينَ أوقاتَ فَراغِك يا كلارا؟» فأجابَت: «أقرأُ الكثيرَ من الكُتُب، وألعبُ رياضةَ الجِمباز، وأحيانًا أذهبُ للتَّزلُّجِ على الثَّلج.»
فقالت المُعلمةُ مُستفسرةً: «رائع! أهلًا بكِ هنا يا كلارا في مدرسةِ هارموني هايتس العامة. أنا أتطلَّعُ للقاءِ والدَيْك في المدرسة خلالَ الأسابيعِ القليلة القادمة. أعتقدُ يا طُلّابُ أننا تعرَّفنا بما فيه الكفاية على أحوالِ الطَّالبةِ الجديدةِ كلارا التي انضمَّت إلى صَفِّنا. والآن دعونا نُتابع درسَنا كالمعتاد.»
بدأت كلارا تُحِسُّ بشُعورٍ غيرِ مُريحٍ في داخِلِ معدتِها عندما سَمِعَت المعلمةَ وهي تقولُ بأن والدَيها سيأتِيانِ يومًا إلى المدرسة للاجتماعِ مع مُعلمتها، وأمضت طِيلةَ الفُرصَةِ الأولى تَقِفُ وحدَها في زاوِيَةِ باحةِ المدرسة، وتَنتابُها مشاعِرُ مُختلِطة.
وفجأةً اقتربت منها فتاتان من صَفِّها كانتا ترتديان معطَفَين أحمرَين مُتشابهين، يحملان شعار «جامبينج جيمناستيكس» للجمباز.
قالت إحدى الفتاتَين الجميلتين وكانت ذاتَ شَعرٍ بُني جميل وقصير: «مرحبًا. أنا آريانا جيفري، وهذه صديقتي كايلي ميلر. لقد سمعنا بأنك تُمارسين رياضة الجِمباز، فهل هذا صحيح؟»
نظرَت كلارا من جديدٍ إلى الشِّعار الرياضي المرسوم على معطفي كلتا الفتاتين. كانت تذهب إلى نادٍ رياضي محلي للجمباز في مَسقط رأسها هارتلاند في أونتاريو قبل مجيئها إلى هذه المدينة. لقد سمعت فيه عن «جامبينج جيمناستيكس» للجمباز. كان هذا النادي مشهورًا جدًّا وقد فاز بعدة جوائز رياضية من قبل.
ردَّت كلارا بتفاخرٍ ظاهر: «نعم، أنا لاعبة جمباز في نادي جيني للجمباز؛ إنه نادٍ مشهور ومتميِّز.»
فقالت كايلي: «هذا أمرٌ يدعو للاستغراب؛ فأنا لم أسمع من قبل بهذا الاسم.»
فأجابت كلارا بزهوٍ: «كنا نتنافس فقط مع الفرق الرياضية الأجنبية. وفي العام الماضي تنافسنا مع فرقٍ من الصين والولايات المتحدة. كان النادي الذي أنتسب إليه الأفضل بين الأندية المحلية.»
فقالت آريانا: «آمل أن تنضمي إلى نادينا وتُساعدينا على تنمية مهاراتنا لكي يصبح النادي من الدرجة المتميزة أيضًا.»
فأجابت كلارا بقليلٍ من التردُّد: «يجب عليَّ أن أسأل أمي أولًا؛ ربما كان يتعيَّن عليَّ قبل ذلك أن يكون لديَّ مُدرب خاص في هذه السنة.»
فقالت آريانا بغِيرةٍ ظاهرة: «نعم، إذا كانت أمي طبيبة ووالدي مهندسًا فمن الطبيعي جدًّا أن يكون لديَّ مُدرب خاص، أليس كذلك؟»
وسألت كايلي: «وهل بيتكم كبير أيضًا؟»
تردَّدت كلارا في البداية قليلًا ثم قالت: «نعم. ويوجد فيه مغطسٌ كبير.»
وقالت كايلي مُتسائلة: «يبدو هذا جيدًا. هل نستطيع أن نأتي لزيارتك عمَّا قريب؟»
فأجابت كلارا: «أه... أوه... ليس الآن؛ فبعضُ العمال يقومون منذ فترةٍ بأعمال صيانة لأجزاءٍ من البيت.»
وبعدها دقَّ الجرس مُعلنًا انتهاء الفسحةِ والعودة إلى الصفوف لمتابعة الدروس.
قالَ نومورا: «هذا بيتُ فرانك أونستي وأليكسا زاجوراتي. هما صديقان معروفان في أرض الأكاذيب بسبب صدقهما وشجاعتهما في مواجهة الأكاذيب. بيتُهما يُعدُّ من الأماكن النادرة التي تَسودُ فيها الحقيقة والوضوح.»
نظرت كلارا حول المكان بدهشة، ثم سألت: «هل يمكنني لقاء فرانك وأليكسا؟»
أجاب نومورا بابتسامة: «بالطبع، هما في الداخل الآن. هيا بنا.»
دخلا الكوخَ الصغير، فوجدَا رجلًا وفتاةً يجلسان بجانب المدفأة. كان فرانك يبدو ودودًا، أما أليكسا فكانت تبتسم بلطف.
رحَّبَ فرانك بكلارا قائلاً: «مرحبًا بك في أرض الأكاذيب، يا كلارا. لقد سمعنا عنك وعن مشكلتك مع الكذب.»
أجابت كلارا بخجل: «أريد أن أتعلم كيف أقول الحقيقة، لكن الأمر صعب جداً.»
قالت أليكسا: «الحقيقة ليست سهلة دائماً، لكنها تجعل القلب أخف والروح أصفى. نحن هنا لمساعدتك.»
ابتسم نومورا وقال: «الرحلة التي تبدأينها اليوم ستغير حياتك. ستتعلمين كيف تواجهي مخاوفك وتُظهري نفسك الحقيقية دون أقنعة أو أكاذيب.»
رفعت كلارا رأسها وقالت بثقة متجددة: «أنا مستعدة. أريد أن أكون صادقة مع نفسي ومع الآخرين.»
إرسال تعليق