قصة من كيد النساء

 قصة من كيد النساء

womens-treachery



يُروى في كتب الأدب أن امرأتين دخلتا ذات يوم على القاضي الشهير ابن أبي ليلى، وكان في زمانه من كبار القضاة، معروفًا بحكمته وفطنته وسعة صدره. نظر إليهما القاضي بهدوء وسأل بلغة العدل والإنصاف:

– من منكنّ تبدأ بالكلام؟

فبادرت إحداهما وقالت بأدب:
– دَعْها تبدأ أولاً.

فأشارت إليها الأخرى أن تفضلي أنتِ، فرفعت الأولى رأسها وبدأت تسرد قصتها بصوت مملوء بالألم والانكسار:

– أيها القاضي، لقد مات والدي وأنا لا زلت صغيرة السن، يتيمة تحتاج إلى من يرعاها. وهنا برزت عمتي، أخت أبي، التي ضمّتني إلى حضنها وربّتني وكفلتني كأني ابنتها، حتى أنني كنت أناديها "أمي" من شدة ما أولتني من عطف وحنان.

نظر القاضي إليها بإمعان وقال:

– وماذا حدث بعد ذلك؟

تنهدت المرأة وأكملت:

– بعد أن كبرت وبلغت مبلغ النساء، جاء ابن عم لي يخطبني، فتقدّم إلى عمتي وطلبني للزواج. فرحت عمتي ووافقت، وزوّجتني إياه، وعشت معه في سعادة لا توصف. ومضت ثلاث سنوات في هدوء ومحبة.

لكن الأمور تغيّرت... فقد كانت لعمتي ابنة، تكبر في الظلّ مثلما كبرتُ أنا، وحين بلغت سنّ الزواج، راودت عمتي فكرة غريبة. فقد أعجبت بزوجي – زوجي أنا – لما رأت من حسن خلقه وحلاوة عشرته، فحدثت نفسها بأن يكون زوجًا لابنتها هي أيضًا.

فماذا فعلت؟ زيّنت ابنتها لزوجي، وأظهرتها له في أجمل صورة، حتى نالت إعجابه. ثم عرضت عليه الزواج من ابنتها بشرط واحد فقط: أن يجعل أمر زوجته الأولى، التي هي أنا، بيدها هي، أي بيد عمتي.

وللأسف، وافق زوجي على هذا الشرط. وفي ليلة الزفاف، جاءتني عمتي بابتسامة خبيثة وقالت لي بكل برود:

– إن زوجك قد تزوج ابنتي، وقد جعل أمرك بيدي... فأنتِ طالق!

فإذا بي – بين ليلة وضحاها – أتحول من زوجة مستقرة إلى مطلّقة مكسورة.

سكتت قليلًا، ثم واصلت:

– ولم تمضِ إلا مدة يسيرة، حتى عاد زوج عمتي من سفر طويل. كان رجلاً طاعنًا في السن، لكنه شاعر كبير معروف. فذهبت إليه وقلت له:

– يا زوج عمتي، هل تتزوجني؟

نظر إليّ في دهشة، ثم وافق. فقلت له:

– لكن بشرط أن تجعل أمر عمتي إليّ.

فأعطاني الوكالة على طلاقها. وما إن تم الزواج، حتى أرسلت إلى عمتي وقلت لها:

– قد جعل زوجك أمرك إليّ، وأنتِ طالق!

فتزوجته، وبذلك أصبحت عمتي مطلّقة... واحدة بواحدة، أطال الله عمرك يا سيدي القاضي.

وقف القاضي من هول ما سمع، واضعًا يده على جبينه، لا يصدق ما حدث، وقال:

– يا الله...!

لكن المرأة قاطعته بضحكة خفيفة وقالت:

– اجلس أيها القاضي، لم تبدأ القصة بعد!

تعجب القاضي وقال:

– أكملي إذن...

قالت المرأة:

– بعد فترة، مات هذا الرجل الشاعر، زوجي الجديد، ففوجئت بعمتي تأتي لتطالب بالميراث منه، باعتباره كان زوجها!

فقلت لها بكل بساطة:

– هذا زوجي أنا، فما علاقتك أنتِ بالميراث؟

وبينما كنت أنتظر انتهاء عدتي من وفاة زوجي، جاءتني عمتي هذه المرة بصحبة ابنتها وزوج ابنتها، الذي هو زوجي الأول، والذي طلقني من قبل ليتزوج ابنة عمتي.

كانوا يريدون أن يُحَكّموا هذا الزوج السابق بيننا في أمر الميراث، لأنه يعرف القصة من بدايتها.

فلما رآني هذا الزوج، تذكر أيّامنا الجميلة، وحنّ إليّ وقال:

– هل تقبلين أن أُعيدك إليّ؟

فقلت له:

– نعم، بشرط... أن تجعل أمر زوجتك – ابنة عمتي – إليّ.

وافق من فوره، وما إن أصبحت الوكالة بيدي، حتى التفتّ إلى ابنة عمتي وقلت:

– أنتِ طالق!

فنظر إليها القاضي مذهولًا، وقد بلغ به العجب مداه، ثم قال:

– وأين السؤال في كل هذا يا امرأة؟!

فقالت العمة، التي كانت صامتة طول الوقت، فجأة وبصوت حانق:

– أيها القاضي، أليس من الحرام أن تُطلّق أنا وابنتي، ثم تأخذ هذه المرأة الزوجين والميراث؟!

فابتسم القاضي ابن أبي ليلى وقال بهدوء:

– والله لا أرى في ذلك حرمة... فكل ما جرى هو زواج وطلاق ووكالة، وكلّه جائز شرعًا.

ثم خرج القاضي من مجلسه وذهب إلى الوالي، وأخبره بما حدث. فغرق الوالي في ضحك شديد، حتى سقطت قدماه من على كرسيه، وقال:

– قاتل الله هذه العجوز! من حفر حفرة لأخيه وقع فيها... أما هذه، فقد رمت نفسها في البحر!

Post a Comment

أحدث أقدم