قِصَّةُ الأَرْنَبِ وَالسُّلَحْفَاةِ

 

قِصَّةُ الأَرْنَبِ وَالسُّلَحْفَاةِ

فِي غَابَةٍ هَادِئَةٍ جَمِيلَةٍ، حَيْثُ تُعَانِقُ الأَشْجَارُ السَّمَاءَ وَتُغَنِّي العَصَافِيرُ أَلْحَانَ الصَّبَاحِ، كَانَتِ الحَيَوَانَاتُ تَعِيشُ فِي وَئَامٍ وَسَلَامٍ. وَكَانَتِ الشَّمْسُ كُلَّ يَوْمٍ تُرْسِلُ أَشِعَّتَهَا الذَّهَبِيَّةَ لِتُدَاعِبَ أَوْرَاقَ الأَشْجَارِ، وَتَنْعَكِسَ عَلَى جَدْوَلِ المَاءِ الرَّقْرَاقِ، فَيَبْدُو وَكَأَنَّهُ خَيْطٌ مِنَ الفِضَّةِ يَشُقُّ الأَرْضَ.

 


مِنْ بَيْنِ سُكَّانِ الغَابَةِ كَانَ هُنَاكَ أَرْنَبٌ نَشِيطٌ سَرِيعٌ لِلْغَايَةِ، اسْمُهُ سَرِيعٌ. وَكَانَ يَفْتَخِرُ دَائِمًا بِسُرْعَتِهِ الفَائِقَةِ، وَيَقْفِزُ بَيْنَ الحُقُولِ وَالوِدْيَانِ وَكَأَنَّهُ رَصَاصَةٌ لَا تُلْحَقُ. وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُسْتَعْرِضَ مَهَارَاتِهِ أَمَامَ الجَمِيعِ، وَيَقُولُ بِفَخْرٍ:

 


"مَنْ يَسْتَطِيعُ مُجَارَاتِي؟ أَنَا أَسْرَعُ مِنَ الرِّيحِ، أَطِيرُ عَلَى الأَرْضِ طَيَرَانًا!"

 

وَلَكِنْ، لِلأَسَفِ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ السُّرْعَةُ مَصْحُوبَةً بِتَوَاضُعٍ، بَلْ كَانَ سَرِيعٌ مَغْرُورًا، يَسْتَهْزِئُ بِالحَيَوَانَاتِ الأُخْرَى، خُصُوصًا السُّلَحْفَاةَ هَادِئَةَ، الَّتِي كَانَتْ تَمْشِي بِبُطْءٍ شَدِيدٍ، لَكِنَّهَا لَطِيفَةٌ وَهَادِئَةٌ، لَا تُؤْذِي أَحَدًا.

 

🏟 التَّحَدِّي الكَبِيرُ

 


فِي أَحَدِ الأَيَّامِ، اجْتَمَعَتِ الحَيَوَانَاتُ فِي سَاحَةِ الغَابَةِ الكَبِيرَةِ، حَيْثُ كَانَتْ تُقَامُ مُسَابَقَاتُ الأَلْعَابِ وَالمَرَحِ. بَدَأَ الأَرْنَبُ كَعَادَتِهِ يَقْفِزُ بَيْنَ الجَمِيعِ، وَيَضْحَكُ قَائِلًا:

"أَلَنْ تَتَحَدَّوْنَنِي اليَوْمَ؟ لَا أَحَدَ يَجْرُؤُ! آهْ، كَمْ أَنَا سَرِيعٌ!"

 

رَفَعَتِ السُّلَحْفَاةُ هَادِئَةُ رَأْسَهَا بِبُطْءٍ، وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ بِعَيْنَيْنِ مَلِيئَتَيْنِ بِالحِكْمَةِ، وَقَالَتْ بِهُدُوءٍ:

"أَنَا أَتَحَدَّاكَ، يَا سَرِيعُ."

 

ضَحِكَ الأَرْنَبُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ:

"أَنْتِ؟! تَتَحَدَّيْنَنِي؟ هَذَا أَغْرَبُ مَا سَمِعْتُهُ فِي حَيَاتِي! هَلْ تَعْرِفِينَ كَمْ أَنَا أَسْرَعُ مِنْكِ؟!"

 

ابْتَسَمَتِ السُّلَحْفَاةُ بِثِقَةٍ وَرَدَّتْ:

"قَدْ أَكُونُ بَطِيئَةً، وَلَكِنَّنِي لَا أَسْتَسْلِمُ. فَلْنَرَ مَنْ يَصِلُ أَوَّلًا إِلَى شَجَرَةِ البَلُّوطِ العَتِيقَةِ عِنْدَ طَرَفِ الغَابَةِ."

 

انْبَهَرَ الجَمِيعُ بِجُرْأَةِ السُّلَحْفَاةِ، وَبَدَأَتِ الضَّفَادِعُ تُصَفِّقُ، وَتَجَمَّعَتِ الحَيَوَانَاتُ تُشَجِّعُ وَتَنْتَظِرُ السِّبَاقَ بِفَارِغِ الصَّبْرِ.

 

🏁 بِدَايَةُ السِّبَاقِ

 


فِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، تَجَمَّعَتِ الحَيَوَانَاتُ عَلَى جَانِبَيِ الطَّرِيقِ، وَالطُّيُورُ تُغَرِّدُ مِنَ الأَشْجَارِ، وَكَانَ الجَوُّ مُشْمِسًا عَلِيلًا. وَقَفَ الأَرْنَبُ وَالسُّلَحْفَاةُ عِنْدَ خَطِّ البِدَايَةِ، وَجَاءَ الثَّعْلَبُ الحَكِيمُ لِيَكُونَ حَكَمَ السِّبَاقِ.

رَفَعَ يَدَهُ وَأَطْلَقَ صَافِرَةَ البِدَايَةِ:

"اسْتَعِدُّوا... انْطَلِقُوا!"

 


رَكَضَ الأَرْنَبُ كَالسَّهْمِ، وَقَفَزَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، حَتَّى أَصْبَحَتِ السُّلَحْفَاةُ نُقْطَةً صَغِيرَةً خَلْفَهُ. أَمَّا السُّلَحفاةُ، فَبَدَأَتْ تَمْشِي بِخُطًى بَطِيئَةٍ لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ، وَهِيَ تُرَدِّدُ:

"لَا يَهُمُّ مَتَى أَصِلُ، بَلْ أَنْ أَصِلَ. خُطْوَةً... خُطْوَةً... لَا تَرَاجُعَ."

 

😴 غَفْوَةُ الغُرُورِ

 

بَعْدَ أَنْ قَطَعَ الأَرْنَبُ نِصْفَ الطَّرِيقِ، شَعَرَ بِالمَلَلِ وَقَالَ:

"يَا إِلَهِي، هَذِهِ نُزْهَةٌ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهَا سِبَاقًا."

فَجَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ... وَنَامَ.

 


أَمَّا السُّلَحْفَاةُ، فَقَدْ وَاصَلَتْ طَرِيقَهَا، لَا تَلْتَفِتُ وَلَا تَتْعَبُ، تَعْبُرُ الجَدَاوِلَ، وَتَتَسَلَّقُ التِّلَالَ، وَتَنْزِلُ المُنْحَدَرَاتِ، وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ.



🎉 المُفَاجَأَةُ!

 

حِينَ اسْتَيْقَظَ الأَرْنَبُ، فَزِعَ وَقَالَ:

"يَا لَلْهَوْلِ! أَيْنَ السُّلَحْفَاةُ؟!"

 


انْطَلَقَ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ خَطِّ النِّهَايَةِ، لَكِنْ... كَانَتِ السُّلَحفاةُ قَدْ وَصَلَتْ!



صَرَخَتِ الحَيَوَانَاتُ فَرَحًا:

"لَقَدْ فَازَتِ السُّلَحْفَاةُ! فَازَتِ السُّلَحْفَاةُ!"

 


وَصَلَ الأَرْنَبُ وَهُوَ يَلْهَثُ مِنَ التَّعَبِ، وَقَدْ شَعَرَ بِالخَجَلِ، وَقَالَ بِخَجَلٍ:

"لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّنِي سَأَخْسَرَ... لَكِنَّهَا تَفَوَّقَتْ عَلَيَّ بِصَبْرِهَا."

 


اقْتَرَبَتِ السُّلَحْفَاةُ مِنْهُ وَابْتَسَمَتْ بِلُطْفٍ، وَقَالَتْ:

"لَا بَأْسَ يَا سَرِيعُ، السُّرْعَةُ مُهِمَّةٌ، وَلَكِنَّ الاسْتِمْرَارَ وَالمُثَابَرَةَ أَهَمُّ. لَا تَنَمْ وَأَنْتَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ."

 




💡 العِبْرَةُ مِنَ القِصَّةِ:

 

الثِّقَةُ بِالنَّفْسِ مَطْلُوبَةٌ، وَلَكِنَّ الغُرُورَ قَدْ يَكُونُ سَبَبَ الفَشَلِ.

 

النَّجَاحُ لَا يَعْتَمِدُ فَقَطْ عَلَى السُّرْعَةِ، بَلْ عَلَى المُثَابَرَةِ وَالثَّبَاتِ.

 

مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ، رَفَعَهُ.

Post a Comment

أحدث أقدم