فِي بِلادِ فَارِسَ القَدِيمَةِ، كَانَ يُجْرَى الاِحْتِفَالُ بِقُدُومِ العَامِ الجَدِيدِ فِي بَدْءِ فَصْلِ الرَّبِيعِ. وَكَانَ يَتَضَمَّنُ الاِحْتِفَالُ بِهذِهِ المُنَاسَبَةِ إقَامَةَ وَلِيمَةٍ كَبِيرَةٍ فِي طُولِ البِلَادِ وَعَرْضِهَا، وَدَعْوَةَ الفَنَّانِينَ وَالحَرَفِيِّينَ وَالغُرَبَاءِ إِلَى البِلَاطِ المَلَكِيِّ لِتَقْدِيمِ أَجْمَلِ عُرُوضِهِمْ وَإِظْهَارِ مَوَاهِبِهِمْ وَمَهَارَاتِهِمْ أَمَامَ المَلِكِ. وَإِذَا مَا لَاقَى أَيٌّ مِن هذِهِ العُرُوضِ رِضَا المَلِكِ وَاسْتِحْسَانَهُ، يُقَدِّمُ مُكَافَأَةً لِصَاحِبِهَا لِقَائِ ذَلِكَ.
وَفِي إِحْدَى هذِهِ المُنَاسَبَاتِ، وَقَبْلَ اخْتِتَامِ العُرُوضِ المُقَدَّمَةِ أَمَامَ المَلِكِ، جَاءَ مُسَافِرٌ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطُّرُقَاتِ، وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيِّ المَلِكِ حِصَانًا جَمِيلًا مَصْنُوعًا مِنَ الخَشَبِ، مُزَخْرَفًا بِزُخْرُفٍ جَمِيلَةٍ وَمُلَوَّنَةٍ.
وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «أَعْتَقِدُ يَا سَيِّدِي أَنَّ جَلَالَتَكُمْ لَمْ تُشَاهِدُوا حِصَانًا بِجَمَالِ هذَا الحِصَانِ مِنْ قَبْلُ.»
فَقَالَ المَلِكُ وَهُوَ مُقَطَّبُ الجَبِينِ: «أَيُّ فَنَّانٍ مَتَمَكِّنٍ مِنْ أَدَوَاتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَصْنَعَ حِصَانًا مِثْلَ هذَا.»
وَقَالَ المُسَافِرُ الغَرِيبُ: «الأَمْرُ لَا يَتَعَلَّقُ هُنَا بِالزُّخْرُفِ الجَمِيلَةِ وَالمُلَوَّنَةِ كَمَا تَرَى، وَلَكِنَّ اسْتِخْدَامَاتِهِ هِيَ الَّتِي تَجْعَلُ هذَا الحِصَانَ شَيْئًا اِسْتِثْنَائِيًّا وَفَرِيدًا؛ فَأَنَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْتَطِيَهُ وَأُحَلِّقَ بِهِ فِي السَّمَاءِ إِلَى أَقَاصِي المَعْمُورَةِ وَفِي سُرْعَةِ البَرْقِ، كَمَا أَنَّنِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أُدَرِّبَ الآخَرِينَ عَلَى اِمْتِطَاهُ أَيْضًا.»
بَدَا المَلِكُ مُهْتَمًّا بِذَلِكَ؛ فَقَالَ وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ نَحْوَ جَبَلٍ يَبْعُدُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا عَنِ المَكَانِ: «هُنَاكَ فِي أَعْلَى قَمَّةِ هذَا الجَبَلِ يُوجَدُ نَخْلَةٌ مِنْ صِنْفٍ خَاصٍّ أُحِبُّ ثِمَارَهَا كَثِيرًا. اِذْهَبْ إِلَى هُنَاكَ إِذَا كَانَ حِصَانُكَ سَرِيعًا كَمَا تَدَّعِي وَأَحْضِرْ لِي مِنْ هُنَاكَ شَيْئًا مِنْ ثِمَارِهَا.»
اِمْتَطَى الغَرِيبُ صَحْوَةَ حِصَانِهِ عَلَى الفَوْرِ وَأَخَذَ يَشُدُّ عِنَانَهُ إِلَى الأَعْلَى، حَتَّى أَخَذَ يَرْتَفِعُ فِي الهَوَاءِ وَيَنْطَلِقُ بِسُرْعَةِ البَرْقِ نَحْوَ قِمَّةِ الجَبَلِ؛ لِيَعُودَ المُسَافِرُ الغَرِيبُ بَعْدَ خَمْسَ عَشَرَ دَقِيقَةً وَهُوَ يُمْسِكُ بِيَدِهِ غُصْنًا مِنَ النَّخْلَةِ مَلِيئًا بِالثَّمَرِ النَّاضِجِ وَيَضَعُهُ أَمَامَ المَلِكِ.
أَثَارَ ذَلِكَ إِعْجَابَ المَلِكِ، وَعَرَضَ فَوْرًا عَلَى الغَرِيبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الحِصَانَ. فَقَالَ الغَرِيبُ: «يَا جَلَالَةَ المَلِكِ، إِنَّ الفَنَّانَ الَّذِي صَنَعَ لِي هذَا الفَرَسَ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَيَّ أَلَّا أَتَخَلَّى عَنْهُ لِأَحَدٍ مُقَابِلَ أَيِّ مَبْلَغٍ مِنَ المَالِ وَقَدْ أَقْسَمْتُ أَمَامَهُ عَلَى ذَلِكَ.»
فَقَالَ المَلِكُ: «وَمَاذَا تَطْلُبُ إِذَنْ مُقَابِلَهُ فِي هذِهِ الحَالَةِ؟» فَأَجَابَ الغَرِيبُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ سَعِيدًا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالحِصَانِ إِذَا تَكَرَّمَ المَلِكُ بِالمُوَافَقَةِ عَلَى زَوَاجِهِ مِنْ ابْنَتِهِ الأَمِيرَةِ.
وَعِنْدَمَا سَمِعَتْ حَاشِيَةُ المَلِكِ هذَا الطَلَبَ المُبَالَغَ فِيهِ، اِنْفَجَرُوا فِي الضَّحِكِ. وَشَعَرَ الأَمِيرُ الشَّابُّ دَارِيُوسَ بِالغَضَبِ الشَّدِيدِ، وَزَادَ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ أَنَّ المَلِكَ بَدَا كَمَا لَوْ أَنَّهُ يُفَكِّرُ جِدًّا بِالعَرْضِ الَّذِي تَقَدَّمَ بِهِ المُسَافِرُ.
تَقَدَّمَ الأَمِيرُ دَارِيُوسَ مِنَ المَلِكِ وَقَالَ: «عَفْوًا يَا أَبِي. وَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَتَرَدَّدَ وَلَوْ لَحْظَةً فِي أَنْ تُجِيبَ هذَا الشَّخْصَ الوَقِحَ بِرَفْضِ مِثْلِ هذَا الطَّلَبِ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُغَامِرَ حَتَّى بِمُجَرَّدِ التَّفْكِيرِ بِأَنْ نُنْتَقِصَ قِيمَةَ الأُسْرَةِ المَلَكِيَّةِ بِالارْتِبَاطِ بِبَائِعٍ مُتَجَوِّلٍ؟»
كَانَ المَلِكُ فِي الوَاقِعِ يُفَكِّرُ فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ كَانَ يَخْشَى إِذَا رَفَضَ طَلَبَ الرَّجُلِ الغَرِيبِ، أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى عَدَاءِ عَظِيمٍ، لِأَنَّ هذَا الحِصَانَ لَهُ قُوَّةٌ سِحْرِيَّةٌ، وَكَانَ القَدَرُ قَدْ وَضَعَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ غَرِيبٍ لا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَافِسَهُ فِي مَهَارَاتِهِ. وَفِي نَفْسِ الوَقْتِ، كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغْلِقَ عَيْنَيْهِ عَنْ طَلَبِ الغَرِيبِ وَيَتَجَاهَلَهُ، وَيُحَافِظَ عَلَى سُلْطَانِهِ وَشَرَفِهِ، وَذَلِكَ كَانَ مَا يَفْعَلُهُ أَغْلَبُ المُلُوكِ.
فِي النِّهَايَةِ، تَزَوَّجَ الأَمِيرُ دَارِيُوسَ مِنَ الأَمِيرَةِ، وَمَنَحَ المَلِكُ الغَرِيبَ مَقْعَدًا فِي مَجْلِسِهِ، وَأَصْبَحَ حِصَانُهُ السِّحْرِيُّ أَشْهَرَ حِصَانٍ فِي المَلَكُونَةِ.
إرسال تعليق