السَّحاب



اُنظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَكُمْ؛ سَتَرَوْنَ سُحُبًا مُنتَشِرَةً فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ. وَهُنَاكَ أَنْوَاعٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا مُتَبَايِنَةٌ فِي الشَّكْلِ وَالْحَجْمِ؛ فَبَعْضُ السُّحُبِ تَكُونُ مُنْتَفِخَةً، وَبَعْضُهَا الْآخَرُ يَكُونُ رَقِيقًا، كَمَا يَكُونُ بَعْضُهَا كَبِيرَ الْحَجْمِ، وَبَعْضُهَا الْآخَرُ صَغِيرَ الْحَجْمِ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ أَشْكَالًا مَأْلُوفَةً لَدَيْنَا:

(1) هَلْ سَبَقَ وَتَسَاءَلْتُمْ كَيْفَ تَتَشَكَّلُ السُّحُبُ؟ تَتَشَكَّلُ مِنْ تَكَاثُفٍ يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهُ بِالْعَيْنِ لِجُزَيْئَاتِ بُخَارِ الْمَاءِ. وَيَحْدُثُ التَّبَخُّرُ عِنْدَمَا يَتَحَوَّلُ الْمَاءُ مِنْ سَائِلٍ إِلَى غَازٍ.

(2) وَيَتَبَخَّرُ الْمَاءُ مِنْ مَصَادِرَ عَدِيدَةٍ مِنْ حَوْلِنَا؛ مِثْلَ الْبُحَيْرَاتِ، وَالْأَنْهَارِ، وَالْمُحِيطَاتِ. هَلْ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تُخَمِّنُوا مَصْدَرَ الْمِيَاهِ الرَّئِيسِيَّ لِلْسُّحُبِ؟

(3) الْمَصْدَرُ الرَّئِيسِيُّ هُوَ الْمُحِيطَاتُ. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْمُحِيطَاتِ تُشَكِّلُ جُزْءًا كَبِيرًا مِنَ الْعَالَمِ يَصِلُ إِلَى 71٪ مِنْ مُجْمَلِ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ.

(4) وَيَتَبَخَّرُ الْمَاءُ وَيُصِيرُ غَازًا، وَيَرْتَفِعُ هَذَا الْغَازُ وَيَخْتَلِطُ بِجُسَيْمَاتٍ فِي الْهَوَاءِ، وَيَرْتَفِعُ وَيَرْتَفِعُ إِلَى أَنْ يَبْرُدَ، وَيَتَجَمَّعَ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ فِي السَّمَاءِ مُكَوِّنًا سَحَابَةً.

(5) وَيَعْتَمِدُ نَوْعُ السُّحُبِ الْمُتَشَكِّلِ عَلَى حَالَةِ الطَّقْسِ؛ فَالْعَدِيدُ مِنْهَا يَتَشَكَّلُ عَلَى ارْتِفَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْغِلَافِ الْجَوِّيِّ، كَمَا يَتَغَيَّرُ شَكْلُهُ بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ أَيْضًا.

(6) وَيُوجَدُ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ رَئِيسِيَّةٍ لِلسُّحُبِ: السَّمْحَاقِيِّ، وَالطَّبَقِيِّ، وَالرُّكَامِيِّ. وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لَهُ شَكْلٌ مُخْتَلِفٌ، كَمَا يُوجَدُ بَعْضُ السُّحُبِ عَلَى ارْتِفَاعَاتٍ عَالِيَةٍ فِي الْغِلَافِ الْجَوِّيِّ فِي حِينِ يَكُونُ بَعْضَهَا الْآخَرُ مُنْخَفِضًا قَرِيبًا مِنْ سَطْحِ الْأَرْضِ.

(7) هَذِهِ السَّحَابَةُ هِيَ مِنْ نَوْعِ السَّمْحَاقِيِّ، وَهِيَ تَتَشَكَّلُ فِي أَعْلَى طَبَقَاتِ الْغِلَافِ الْجَوِّيِّ، وَهَذَا الْاِرْتِفَاعُ الْعَالِيُّ وَالرِّيَاحُ يَجْعَلَانِهَا تَتَحَوَّلُ إِلَى سَحَابَةٍ رَقِيقَةٍ.

(8) وَهَذِهِ السَّحَابَةُ هِيَ مِنَ النَّوْعِ الطَّبَقِيِّ التِي تَتَشَكَّلُ عَلَى ارْتِفَاعَاتٍ مُنْخَفِضَةٍ، وَتَتَمَيَّزُ بِكَوْنِهَا مُسَطَّحَةً وَقَرِيبَةً مِنْ سَطْحِ الْأَرْضِ. وَيُعْتَبَرُ الضَّبَابُ سَحَابَةً طَبَقِيَّةً.

(9) وَهَذَا سَحَابٌ رُكَامِيٌّ، وَهُوَ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرَ سُمْكَةً بَيْنَ السُّحُبِ. وَتَكُونُ قَاعِدَتُهُ غَالِبًا مُسَطَّحَةً وَنُمُوُّهُ بِشَكْلٍ رَأْسِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ نُمُوِّهِ بِشَكْلٍ أُفُقِيٍّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِجُزْئِهِ الْعُلْوِيِّ رُؤُوسٌ طَوِيلَةٌ فِي الْأَعْلَى.

(10) أَحَدُ أَنْوَاعِ السُّحُبِ الرُّكَامِيِّ يُسَمَّى بِالْمُزَنِ الرُّكَامِيِّ. وَرُبَّمَا تُعْرَفُ أَيْضًا هَذِهِ السُّحُبُ بِاسْمِ السُّحُبِ الْمُمَطِّرَةِ.

(11) وَيُمْكِنُ لِلْمَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَشْكَالًا عَدِيدَةً أَثْنَاءَ سُقُوطِهِ مِنَ السُّحُبِ مِثْلَ الْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَالسَّلِيتِ (حَبِيبَاتِ جَلِيدٍ مُخْتَلِطَةٍ مَعَ الْمَطَرِ أَوِ الثَّلْجِ). إِنَّ الْكَلِمَةَ التِي تَصِفُ سُقُوطَ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ هِيَ هُطُولُ الْمَطَرِ.

(12) وَيَحْدُثُ هُطُولُ الْمَطَرِ عِنْدَمَا يَتَجَمَّعُ الْكَثِيرُ جِدًّا مِنَ الْمَاءِ فِي السُّحُبِ؛ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ بِاسْتِطَاعَتِهِ الِاحْتِفَاظُ بِكُلِّ هَذَا الْمَاءِ فِي ثَنَايَاهِ، فَيَقُومُ بِالسُّقُوطِ إِلَى سَطْحِ الْأَرْضِ. وَغَالِبًا مَا تُحَدِّدُ دَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ نَوْعَ الْهُطُولَاتِ الْمَطَرِيَّةِ الَّتِي تَتَشَكَّلُ.

(13) وَيَتَشَكَّلُ الثَّلْجُ عِنْدَمَا تَكُونُ دَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ بَارِدَةً بِمَا يَكْفِي لِتَجَمُّدِ الْمَاءِ فِي السُّحُبِ. إِنَّ التَّجَمُّدَ فِي طَبَقَاتِ الْغِلَافِ الْجَوِّيِّ يَجْعَلُ الْمَاءَ يَتَحَوَّلُ إِلَى أَشْكَالٍ بَلُّورِيَّةٍ صَغِيرَةٍ. وَإِذَا بَقِيَتِ الْبَلُّورَاتُ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ أَثْنَاءَ سُقُوطِهَا وَلَمْ تَذُبْ فَإِنَّهَا تُصْبِحُ ثَلْجًا.

(14) كَمَا يَتَشَكَّلُ الْبَرَدُ عِنْدَمَا تَكُونُ دَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ بَارِدَةً أَيْضًا. وَيَبْدُو الْبَرَدُ مِثْلَ صُخُورٍ ثَلْجِيَّةٍ. وَيُصْبِحُ الْمَاءُ فِي السُّحُبِ عَلَى شَكْلِ بَرَدٍ بِتَأْثِيرِ الرِّيَاحِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي تَقُومُ بِدَفْعِ قَطَرَاتِ الْمَاءِ الْمُتَجَمِّدَةِ عَلَى أَشْكَالٍ بَلُّورِيَّةٍ إِلَى أَعْلَى طَبَقَاتِ الْغِلَافِ الْجَوِّيِّ مَرَّةً ثَانِيَةً؛ حَيْثُ يَتَجَمَّعُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ لِتُصْبِحَ كُتَلًا كَبِيرَةً. وَيَسْتَمِرُّ هَذَا التَّشَكُّلُ فِي الْحُدُوثِ حَتَّى تُصْبِحَ قَطَرَاتُ الْمَاءِ أَثْقَلَ مِنْ قُدْرَةِ الرِّيَاحِ عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْأَعْلَى، فَتَسْقُطُ إِلَى سَطْحِ الْأَرْضِ.

(15) وَيَتَشَكَّلُ جَمْدُ الْمَطَرِ عِنْدَمَا تَكُونُ طَبَقَةُ الْهَوَاءِ سَاخِنَةً. وَتَبْدَأُ قَطَرَاتُ الْمَاءِ بِالسُّقُوطِ مِنَ السُّحُبِ وَبِالتَّجَمُّدِ. وَعِنْدَمَا تَمُرُّ مِنْ خِلَالِ طَبَقَةِ الْهَوَاءِ الْسَّاخِنِ تَذُوبُ، وَبَعْدَهَا تَتَجَمَّدُ مَرَّةً ثَانِيَةً أَثْنَاءَ مُوَاصَلَةِ سُقُوطِهَا.

(16) وَأَثْنَاءَ هُبُوبِ الْعَوَاصِفِ، يُمْكِنُ رُؤْيَةُ وَمِيضِ الْبَرْقِ فِي السَّمَاءِ. وَالْبَرْقُ عِبَارَةٌ عَنْ تَيَّارٍ كَهْرَبَائِيٍّ يَتَشَكَّلُ خِلَالَ الْعَوَاصِفِ الرَّعْدِيَّةِ.

(17) وَتَتَحَرَّكُ قَطَرَاتُ الْمَاءِ دَاخِلَ السُّحُبِ، وَيَصْطَدِمُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَذَا التَّحَرُّكِ تَرَاكُمُ الْكَهْرَبَاءِ، وَيَكُونُ السُّحَابُ ذَا شَحْنَةٍ سَلْبِيَّةٍ، وَالْأَرْضُ ذَاتَ شَحْنَةٍ إِيجَابِيَّةٍ؛ فَيَتِمُّ الِاسْتِقْطَابُ بَيْنَهُمَا لِيَنْجُمَ عَنْ ذَلِكَ وَمِيضُ الْكَهْرَبَاءِ الَّذِي نَرَاهُ فِي السَّمَاءِ.

(18) وَيَنْشَأُ صَوْتُ الرَّعْدِ بِسَبَبِ الْبَرْقِ الَّذِي يُوَلِّدُ حَرَارَةً فِي السُّحُبِ، فَيَنْجُمُ عَنْ ذَلِكَ تَمَدُّدُ الْهَوَاءِ حَوْلَهُ. وَهَذَا مَا يُؤَدِّي إِلَى حُدُوثِ دَوِيٍّ كَبِيرٍ نُسَمِّيهِ الرَّعْدَ.

(19) وَيُعْتَبَرُ السُّحَابُ عَلَى دَرَجَةٍ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ؛ فَهُوَ يُسَاعِدُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى مُنَاخِ الْأَرْضِ، عَنْ طَرِيقِ عَكْسِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَامْتِصَاصِهَا، كَمَا يُنَظِّمُ مِقْدَارَ كَمِّيَّةِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الَّتِي تَصِلُ إِلَى سَطْحِ الْأَرْضِ.

(20) وَيُسَاعِدُ السُّحَابُ أَيْضًا عَلَى نَقْلِ الْمَاءِ مِنْ مَكَانٍ لِآخَرَ. وَلَوْلَا وُجُودُ السُّحَابِ، وَالرِّيَاحِ، وَالْأَمْطَارِ، لَانْحَصَرَ الْمَاءُ فِي عُمُقِ الْمُحِيطَاتِ لِلأَبَدِ. وَهَكَذَا يُعْتَبَرُ السُّحَابُ نَاقِلًا دُوَلِيًّا لِلْمَاءِ إِلَى أَعَالِي الْجِبَالِ، وَإِلَى مَنَابِعِ الْأَنْهَارِ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِدَوْرَةِ الْمِيَاهِ.

(21) إِنَّ كُلَّ مَا تَرَوْنَهُ مِنْ مَاءٍ حَوْلَكُمْ كَانَ عَلَى الدَّوَامِ جُزْءًا مِنْ غَيْمَةٍ مَاطِرَةٍ، وَسَوْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.


Post a Comment

أحدث أقدم