مُغامَرَاتُ الدُّبِّ الصَّغيرِ بابلو



كانَ الدُّبُّ الصَّغيرُ بابلو الجَميلُ يَعيشُ في أعالي جِبالِ الهِمالايا المَكسوَّةِ بالثُّلوجِ، وكانَ فِراؤُهُ طَويلًا وأسودَ ولامِعًا، ولا تُوجَدُ بهِ ولا حتى شَعرَةٌ بَيضاءُ. كانَ بابلو دُبًّا شَقيًّا لأقصى دَرَجَةٍ، وكانَ مَحبوبًا من الجَميعِ في الغابةِ، ولكنَّ أُمَّهُ كانت تُحبُّهُ أَكثرَ من الجَميعِ، ولكِنَّهُ كانَ بالفعلِ شَقيًّا جِدًّا.

مُنذُ الصَّباحِ الباكِرِ وحتى حُلولِ الظَّلامِ، كانَ بابلو يَقِفزُ ويَلهو ويَجري عَبرَ الغابةِ، وكانت أُمُّهُ دائِمًا ما تُنادِي عليهِ قائِلَةً: «بابلو، لا تَكن شَقيًّا إلى هذا الحَدِّ.»
«بابلو، اجلسْ لِبَعضِ الوَقتِ، ارتَحْ قَليلاً …»
«أوه، يا بابلو، لا تُؤذِ نَفسَكَ، انتَبِه جَيِّدًا!»
«بابلو، صارَ الوَقتُ مُتأخِّرًا الآنَ، لقد حَلَّ الظَّلامُ، اذهب إلى النَّومِ يا بُني …»

كانَت أُمُّهُ تُحاوِلُ باستِمرارٍ أن تُضبِطَ سُلوكَ بابلو، ولكِنَّ بابلو المَليءَ بالطَّاقَةِ والحَيَويَّةِ كان يُفكِّرُ دائمًا في أَشياءَ جَديدةٍ ليقومَ بِها، ولا يَستَمِعُ لِنَصائِحِ أُمِّه.

وفي إحدى اللَّيالي، كانَت الأمُّ مُتعبةً للغايةِ، ومَن يُمكن أن يَلُومَها في ذلكَ؟! لقد كانت تَركُضُ طِوالَ النهارِ في جَميعِ أَرجاءِ الغابةِ خَلفَ بابلو وَهي تُؤنِّبُهُ وَتُحاوِلُ تَهدِيبَ سُلوكِهِ، لكنَّ بابلو كانَ لا يزالُ يُفكِّرُ في أُمورٍ كثيرةٍ أَبعدَتْ عنهُ النَّومَ، وخَطَرَ ببالِهُ العَديدُ مِنَ الأَسئِلَةِ:

«أينَ تَنامُ الشَّمسُ باللَّيل؟»
«مَن هي أُمُّ القَمَرِ؟»
«لِماذا أظلُّ هكذا مُستيقِظًا في اللَّيلِ وأُمِّي يَغلِبُها النَّومُ؟»
«لِماذا …؟ أين …؟ مَتى …؟ كَيف …؟ كَيف …؟ مَتى …؟ أين …؟ لِماذا …؟»

ظلَّت هذه الأَسئِلَةُ تَدورُ في عَقْلِ بابلو حتّى شَعَرَ بالدَّوَارِ، ولم يَعُد يَستَطيعُ البَقاءَ في السَّريرِ، فقامَ بالتسلُّلِ بِهُدوءٍ إلى خارِجِ البَيْتِ وجلسَ بالخارجِ في هَواءِ اللَّيلِ البارِدِ. كانت الغابةُ مَليئَةً بأَصواتٍ غَريبةٍ مثلَ صَوتِ صَرَاصيرِ اللَّيلِ وَحَفيفِ الأَشجارِ. وَقد أضاءَ الغابةَ على نَحوٍ ساطعٍ، البَدْرُ الذي بَدَا قَريبًا مِنَ الأَرضِ. وكانت الأَسئِلَةُ لا تَزال تَدورُ في عَقْلِ بابلو مِثلَ حَرَكةِ الفَراشاتِ الدَّءوبةِ في أَناطِحِ الغابةِ.

في الحقيقةِ، كانَ بابلو يَحلُمُ مُنذُ فَترةٍ طَويلَةٍ بِعَملِ شيءٍ ما، أيُّ شيءٍ يَجعَلُ العالَمَ يَقِفُ وَيُشاهِدُهُ، أيُّ شيءٍ يَجعَلُ دِببةَ الغابةِ؛ صَغيرَها وَكبيرَها، يقولونَ: «يا لَلرُّوعَةِ! لَقَد جَعَلَ بابلو دِببةَ الهِمالايا مَشهورين في جَميعِ أَرجاءِ العالَم!»

ولكنْ كَيفَ السَّبيلُ لِتحقيقِ ذلك؟ وما هوَ هذا الشيءُ المُميَّزُ الذي يُمكنُ أن يَجعَلَ مِن دُبٍّ صغيرٍ شَخصيَّةً مَشهورةً في جَميعِ أَرجاءِ العالَم؟

بينما كانَ بابلو غارِقًا في تَفكيرٍ عَميقٍ، وَقَعَ نَظرُهُ على شَجَرَةِ أَرْزِ دوداري عاليةٍ وَهي تَتَمايَلُ بِفَعلِ رِيحِ اللَّيلِ. وكانَت كُلَّما تَمايَلَت في أَحدِ الجانِبَينِ، بَدَت وكَأنَّ أعلَى أغصانِها تَلمَسُ القَمَرَ.

وفَجأَةً لَمَعَت في ذِهنِ بابلو الصَّغيرِ فِكرَةٌ رائعةٌ! وأشرقت عيناهُ وَاهتزَّ جِسمُهُ منَ الحَماسِ، وأرادَ أَن يَرقُصَ مِنَ الفَرحِ!

ولكنَّه كان يُدرِكُ أَنَّهُ لو أَحْدَثَ أيَّ ضَجَّةٍ فَسَوْفَ تَستَيقِظُ أُمُّهُ، وَتُعيدُهُ على الفَوْرِ إلى داخِلِ سَريرِه.

وإذا ما اِكتَشَفَت ما يَجولُ بِخاطِرِهِ، فإنَّها سَتَغضَبُ مِنْه، وَهذا سَيَحولُ دونَ أَن يُحَقِّقَ حُلمَهُ بِالشُّهرةِ.

نَعَم، رُبَّما تَسأَلونَ الآن أَعِزائي الأَطفالِ: ما هوَ هذا الشيءُ الذي عَزَمَ بابلو على القيامِ به بعدما رَأى الشَّجرةَ، وَالذي سَيُمكِّنُهُ منَ تَحقيقِ حُلمِهِ؟ حَسَنًا، سَأُخبِرُكُم بِهِ.

كانَ بابلو يَتمتَّعُ دائمًا بِمَهارَةٍ كَبيرَةٍ في تَسلُّقِ الأَشجارِ، وَهذا ما سَيَفعَلُهُ الآنَ بِتَسلُّقِ شَجَرَةِ الأَرْزِ الباسِقَةِ.

وبَعدَ أَن يَصِلَ إلى أعلَى الشَّجرةِ، وَتَبدَأَ تَتَمايَلُ بِفَعلِ الرِّيحِ وَتَلمُسُ أَغصانُها العالِيَةُ القَمَرَ، يَقومُ بابلو بِقفزَةٍ وَاحِدَةٍ لأعلى تَنقُلُهُ على الفورِ إلى سَطحِ القَمَرِ!

كانَ بابلو يَعلَمُ بِأَنَّهُ سَيَكونُ بذلكَ أَوَّلَ دُبٍّ يَصعَدُ على سَطحِ القَمَرِ! وَهذا سَيَجعَلُ العالَمَ كُلَّهُ يَشعُرُ بِالدَّهشَةِ الكَبيرَةِ. كَما سَيَشعُرُ جَميعُ أقرانِه الدُّببةِ في الغابةِ بِالغَيرَةِ مِنْهُ، وَخاصَّةً الدُّبِّ سونا-مونا الذي دائِمًا ما يَسخَرُ مِنَ بابلو وَمِنْ أَحلَامِهِ. وَسَوْفَ يَقومُ العُلماءُ باستِخدامِ التِّلسكوباتِ المُقرِّبَةِ الكَبيرةِ (التي حَدَّثَتْهُ أُمُّهُ عَنها في أَحَدِ الأَيّامِ) لِرُؤيَتِهِ وَهوَ يَرقُصُ على القَمَرِ!

وبدأَ بابلو بالجَريِ بسرعةٍ هائِلَةٍ نَحوَ الشَّجرةِ وَرَكِضَ نَحوَها وَبَدَأَ يَتَسلَّقُ إلى أعلَى القِمَّةِ بِشَجاعةٍ وَإصرارٍ عَظيمينِ.

عندما وصلَ إلى أعلَى الشجرةِ، شَعَرَ بِدَوَارٍ طفيفٍ. رفعَ رأسَهُ نَحوَ القَمَرِ وَرَأى كَأنَّهُ لا يزالُ بَعيدًا كَما كانَ في الأَسفلِ. وعندَما كانَ يُحضِّرُ قَفزَتَهُ الهائِلَةَ، سَمِعَ صَوتَ تكَسُّرِ الأَغصانِ رَتْرَتْ، رَتْرَتْ، وَهَبطَ بابلو بِسُرعةٍ على الأَرضِ.

ظلَّ بابلو ساكِنًا وَلا يَتَحرَّكُ، وأُمُّهُ استَيقَظَت مِنَ النَّومِ مَذعورَةً وَبَدَأتْ تَبحَثُ عَنهُ في الغابةِ، وَبَعْدَ أَن وَجدَتْهُ أَخذَتْ تَبكي بِشِدَّةٍ وَهي تُقبِّلُهُ بِكُلِّ حُبِّها.

لكنَّ المَفاجَأةَ الحَقيقيةَ كانتْ عندما لاحَظَت أُمُّ بابلو شَعرَةً فِضيَّةً صغيرةً تداعِبُ قَدَمَها.

نَظَرَت أُمُّ بابلو نَحوَ السَّماءِ، وَرَأَت القَمَرَ يَبتَسِمُ لها بِحَنَانٍ.

فأخذَت إبرةَ صَنوبرٍ، وَبدأَت تَخيطُ جُرحَ بابلو بِخُيوطٍ مِنَ أَشِعَّةِ القَمَرِ السِّحريَّةِ.

فتَحت عَينا بابلو ببطء، وَقالَ لأُمِّه: «أنا آسِفٌ يا أُمِّي، سَأَكونُ أَكثرَ حِذرًا في المَرَّةِ القادمةِ.»

احتَضَنَت أُمُّهُ بابلو بِقُوَّةٍ وَفَرَحَت أَنَّهُ سَلِمَ مِنَ الأَذى.

ومنذُ ذلكَ اليَومِ، تَجمَّعَت دُببةُ الغابةِ لِتَرى علامةَ القَمَرِ الفِضيَّةَ على صَدرِ بابلو، وبدأَت تطلبُ مِن أُمِّ بابلو أن تَخيطَ لَهُم علاماتٍ مُماثِلَةً.

وهكذا، بدأت أُمُّ بابلو تَخيطُ خُيوطَ أشِعَّةِ القَمَرِ على صدورِ دُببةِ الغابةِ الأُخَرِ، وَصَارَ القَمَرُ يَذْبُلُ تَدريجيًا، وَيُصبِحُ هِلالًا رَقِيقًا.

ولكنَّ القَمَرَ قالَ لهم: «لا تَقلَقوا، سأعودُ كامِلًا قريبًا لأُعطيَكم المزيدَ مِنَ السِّحرِ.»

ومنذُ ذلكَ الحينِ، عندما يكون القَمَرُ هِلالًا رَقِيقًا، تَخيطُ أُمُّ بابلو علاماتٍ فِضيَّةً جَديدةً على صدور دُببةِ الهِمالايا.

وأمَّا بابلو؟ فأصبحَ شَهيرًا بَكلِّ تأكيدٍ، كبطلِ دُببةِ الغابةِ الصَّغيرِ الذي تَجرَّأَ على مِحاولةِ القَفزِ إلى القَمَرِ، ونالَ علامةَ القَمَرِ الفِضيَّةَ!

Post a Comment

أحدث أقدم