أَسَدٌ بِلا أَنْيَابٍ

 


في يَوْمٍ مِنَ الأَيّامِ، كانَتِ الغابَةُ تَنْعَمُ بِالسَّلامِ.

الأَشْجارُ خَضْراءُ، وَالزُّهُورُ مُلَوَّنَةٌ، وَالحَيَواناتُ تَعيشُ مَعًا في وِئامٍ.

فيها الفِيلُ الضَخْمُ، وَالزَّرافاتُ الطَّويلَةُ، وَالقُرودُ المَرِحَةُ، وَالغِزْلانُ الرَّشيقَةُ،

وَفيها الأَرانِبُ النَّشيطَةُ، وَالطُّيُورُ المُلَوَّنَةُ تُغَنِّي طِوالَ النَّهارِ.


ذاتَ صَباحٍ، وَقَفَ أَسَدٌ عَلى تَلَّةٍ قَريبَةٍ،

أَلْقى نَظْرَةً عَلى الغابَةِ، وَقالَ بِإِعْجابٍ:

"يا لَها مِنْ غابَةٍ جَميلَةٍ! فيها الخَيْرُ الكَثيرُ... سَأَذْهَبُ إِلَيْها!"


دَخَلَ الأَسَدُ الغابَةَ بِهُدوءٍ،

كانَ يَبْتَسِمُ وَيُحَيِّي الحَيَواناتِ بِلُطْفٍ،

يَضْحَكُ مَعَ الطُّيُورِ، وَيَتَظاهَرُ بِأَنَّهُ ضَيْفٌ طَيِّبٌ.


لَكِنَّ الحَيَواناتِ شَعَرَتْ بِالخَطَرِ...

فَهِيَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذا الأَسَدَ لَيْسَ كَأَيِّ زائِرٍ!

فَهَرَبَتِ الطُّيُورُ مِنَ الأَشْجارِ، وَرَكَضَتِ الحَيَواناتُ بَعيدًا.


واصَلَ الأَسَدُ طَريقَهُ حَتّى وَجَدَ مَكانًا بَيْنَ الأَشْجارِ الكَبيرَةِ،

وَقالَ في نَفْسِهِ: "هَذا أَفْضَلُ بَيْتٍ لي."


هَرَعَتِ الحَيَواناتُ إِلى الفِيلِ وَهِيَ تَرْتَجِفُ مِنَ الخَوْفِ،

وَقالَتْ لَهُ: "الأَسَدُ دَخَلَ غابَتَنا! نَرْجُوكَ، تَحَدَّثْ إِلَيْهِ وَأَقْنِعْهُ بِالرَّحيلِ."


ذَهَبَ الفِيلُ إِلى الأَسَدِ وَقالَ بِلُطْفٍ:

"مَرْحَبًا بِكَ أَيُّهَا الضَّيْفُ، هَلْ تَحْتاجُ شَيْئًا؟

اُطْلُبْ ما تَشاءُ، نَحْنُ في خِدْمَتِكَ...

لَكِنَّ الحَيَواناتِ خائِفَةٌ، وَتُريدُ أَنْ تَعْرِفَ سَبَبَ وُجُودِكَ."


ضَحِكَ الأَسَدُ ضَحْكَةً قَوِيَّةً اهْتَزَّتْ لَها الغابَةُ،

ثُمَّ قالَ وَهُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِفَخْرٍ:

"يا فِيلُ، جِئْتُ لِأَحْمِيَ هَذِهِ الغابَةَ،

وَسَأَجْعَلُ مِنْكَ وَزيرِي فيها!"


فَرِحَ الفِيلُ بِهَذا الكَلامِ، وَصَدَّقَ الأَسَدَ.


مَرَّتِ الأَيّامُ... وَبَدَأَ الأَسَدُ يُظْهِرُ وَجْهَهُ الحَقيقِيَّ.

صارَ يَمْشي بِغُرورٍ، يَبْحَثُ عَنِ الحَيَواناتِ السَّمِينَةِ،

يَهْجُمُ عَلَيْها فَجْأَةً، وَيَسْحَبُها إِلى عَرينِهِ لِيَأْكُلَها!


خافَتِ الحَيَواناتُ أَكْثَرَ، وَكَرِهَتِ الفِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ.


وَفي يَوْمٍ مِنَ الأَيّامِ، شَعَرَ الأَسَدُ بِأَلَمٍ شَديدٍ في بَطْنِهِ.

اسْتَلْقى في عَرينِهِ، وَأَرْسَلَ في طَلَبِ الفِيلِ.


قالَ لَهُ:

"يا وَزيرَ الغابَةِ، أَنا مَريضٌ جِدًّا... بَطْني تُؤْلِمُني...

أَرْجُوكَ، ابْحَثْ لي عَنْ طَبيبٍ."


خَرَجَ الفِيلُ يَبْحَثُ، فَصادَفَ الغَزالَةَ،

وَقالَ لَها:

"يا غَزالَةُ، الأَسَدُ مَريضٌ... هَلْ تُساعِدينَهُ؟"


ضَحِكَتِ الغَزالَةُ بِسُخْرِيَّةٍ وَقالَتْ:

"أُعالِجُ مَنْ أَكَلَ أُخْتِي الصَّغيرَةَ؟! لا يا أَيُّهَا الوَزيرُ، ارْحَلْ."


تابَعَ الفِيلُ طَريقَهُ، وَقابَلَ القِرْدَ.

قَصَّ عَلَيْهِ ما حَدَثَ، فَقالَ القِرْدُ بِغَضَبٍ:

"وَزيرُ الأَسَدِ يُعالِجُهُ؟! أَلا تَخْجَلُ مِنْ نَفْسِكَ؟!"


خَجِلَ الفِيلُ، وَمَضى في طَريقِهِ، حَتّى الْتَقى بِالثَّعْلَبِ.


قالَ لَهُ الثَّعْلَبُ بِدَهاءٍ:

"ما لَكَ حائِرًا يا وَزيرَ الغابَةِ؟"


فَأَجابَهُ الفِيلُ:

"الأَسَدُ مَريضٌ، وَكُلُّ مَنْ في الغابَةِ يَرْفُضُ مُعالَجَتَهُ...

هَلْ يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا؟"


ابْتَسَمَ الثَّعْلَبُ وَقالَ:

"بِالطَّبْعِ! أَنا طَبيبٌ ماهِرٌ في أَمْراضِ البَطْنِ!"


لَبِسَ الثَّعْلَبُ مِعْطَفًا أَبْيَضَ، وَعَلَّقَ السَّمّاعَةَ في عُنُقِهِ،

ثُمَّ ذَهَبَ مَعَ الفِيلِ إِلى الأَسَدِ.


أَخَذَ يَفْحَصُهُ بِجِدِّيَّةٍ:

"حَرارَتُهُ مُرْتَفِعَةٌ، قَلْبُهُ يَنْبِضُ بِسُرْعَةٍ،

مَعِدَتُهُ لا تَهْضِمُ الطَّعامَ مِنْ كَثْرَةِ ما أَكَلَ."


فَتَحَ الثَّعْلَبُ فَمَ الأَسَدِ، وَتَأَمَّلَ أَسْنانَهُ وَقالَ:

"وَجَدْتُ سَبَبَ الأَلَمِ! المُشْكِلَةُ في الأَسْنانِ،

لا بُدَّ مِنْ خَلْعِها فَوْرًا!"


ارْتَبَكَ الأَسَدُ، وَجَرَتْ دُموعُهُ،

وَقالَ بِصَوْتٍ ضَعيفٍ:

"افْعَلْ ما تَراهُ مُناسِبًا يا دُكْتورُ... فَقَطْ خَلِّصْني مِنَ الأَلَمِ."


فَقامَ الثَّعْلَبُ بِخَلْعِ أَسْنانِهِ كُلِّها،

وَتَرَكَهُ وَالدَّمُ يَنْزِفُ مِنْ فَمِهِ.


أَصْبَحَ الأَسَدُ ضَعيفًا، لا يَسْتَطيعُ الكَلامَ جَيِّدًا،

وَلا يَقْدِرُ عَلى أَكْلِ اللَّحْمِ.


رَأَتْهُ الحَيَواناتُ وَعَرَفَتْ ما حَدَثَ،

فَتَوَقَّفَتْ عَنِ الخَوْفِ مِنْهُ، وَلَمْ تَعُدْ تَهْتَمُّ لِأَمْرِهِ.


شَعَرَ الأَسَدُ بِالوَحْدَةِ، وَبَكَى كَثِيرًا،

ثُمَّ غادَرَ الغابَةَ بَعيدًا.


أَمَّا الحَيَواناتُ، فَقَدْ فَرِحَتْ وَارْتَاحَتْ،

وَجاءَتْ إِلى الثَّعْلَبِ لِتَشْكُرَهُ.


شَكَرَتْهُ الغَزالَةُ، وَشَكَرَهُ القِرْدُ، وَشَكَرَهُ الجَميعُ.

وَعادَتِ الغابَةُ كَما كانَتْ: في سَلامٍ وَأَمانٍ.





Post a Comment

أحدث أقدم