في مملكةِ جِرنادَا، أُعلِنَ خَبَرُ قَرارِ المَلِكِ بِالزَّواجِ، فوَصَلَ هذا الخَبَرُ إلى حَلَّاقِ القَصرِ أوَّلًا، ثُمَّ إلى الحُرَّاسِ اللَّيلِيِّينَ، وَبَعْدَ ذلكَ إلى نِساءِ المدينةِ العَجائِزِ.
كانَ الحَلَّاقُ يَذكُرُ الخَبَرَ لِكُلِّ مَن يَأتي إِلَيْهِ مِنَ الزُّبائنِ، الَّذِينَ بِدورِهِم تَنَاقَلُوهُ إِلَى أَصدِقائِهِم. وفي اللَّيلِ، كانَ الحُرّاسُ يُعلِنونَ هذا الخَبَرَ بِصوتٍ عالٍ في ساحاتِ المدينةِ، فصارَ كُلُّ فَتياتِ المدينةِ مَحروماتٍ مِنَ النَّومِ. وفي النَّهارِ، لَم تَفُتْ النِّساءُ العَجائِزُ فُرصةً إِلاّ وتَذكَّرنَّ الفَتياتِ بِقَرارِ المَلِكِ.
وكانَ السُّؤالُ المُتردِّدُ على الألسِنَةِ: «كَيْفَ سَيَختارُ المَلِكُ زَوْجَتَهُ؟» فأجابَ الحَلَّاقُ، وَهُوَ يَبْدو عَلَيْهِ وَقارُ الحَكِيمِ، قائِلًا: «أَخشى أَنَّ الأَمْرَ لَن يَكونَ سَهْلًا، فَللبَحْثِ عَن فَتاةٍ تَلِيقُ بالمَلِكِ مَتاعِبٌ كَثِيرةٌ.»
تَعَجَّبَ الجَميعُ وَقالُوا لَهُ: «وَماذا شَأنُكَ أَنتَ بِهذَا؟! كَيفَ لَكَ أَن تَختارَ الزَّوجةَ لِلْمَلِكِ؟»
فَأَجابَهُم: «أَنا الرَّجُلُ الوَحيدُ الَّذي يُسمَحُ لَهُ بِالاتِّصالِ بِأَفرادِ الأُسْرَةِ المَلَكِيَّةِ، وَلَدَيَّ مِرآةٌ سَحرِيَّةٌ. إِذا وَقَفَت أَمامَها فَتاةٌ ما وَنَظَرَت فِيها، وَوَجَدْتُ فِي ماضِيهَا أَخطاءً اُرتُكِبَت، فَسَتَظهَرُ عَلَى سَطحِ المِرآةِ نِقاطٌ سَوْداءُ بَعَدَدِ تِلْكَ الأَخطاءِ.»
فَسَأَلَ الجَميعُ فِي آنٍ واحِدٍ: «هَل هذِهِ هِيَ الشُّرُوطُ؟»
رَدَّ الحَلَّاقُ بِإِيماءةِ وَقارٍ وَهُوَ يَضَعُ إبهامَيْهِ فِي فَتْحَتَي صَدْرِيَّتِهِ: «نَعَم، هذَا هُو الشَّرْطُ الوَحيدُ.»
سَأَلُوا: «وَهَل هُناكَ حَدٌّ لِلْعُمرِ؟»
قَالَ: «أَيُّ امْرَأَةٍ تَبْلُغُ مِنَ العُمرِ ثامِنَةَ عَشَرَ عَامًا فَما فَوْقَ مُؤَهَّلَةٌ لِلزَّواجِ مِنَ المَلِكِ.»
اِسْتَغرَبُوا وَقالُوا: «إِذاً، لِكُلِّ فَتاةٍ فِي جِرنادَا الحَقُّ فِي المُطالَبَةِ بِأَن تُصبِحَ مَلِكَةً.»
قَالَ الحَلَّاقُ: «صَحيح، لَكِنَّ عَلَيْها أَنْ تَثبُتَ جِدارَتَهَا؛ بِأَن تَقِفَ أَمامَ المِرآةِ السّحرِيَّةِ وَتَنظُرَ فِيهَا، وَأَنَا سَأَكونُ بِجانِبِها أَثْناءَ ذَلِكَ.»
وهكَذا أَصْبَحَ الشَّرْطُ الوَحيدُ الَّذي يُفرَضُ عَلَى كُلِّ فَتاةٍ تَطْمَحُ أَن تَكونَ مَلِكَةً مَعروفًا لِلجَميعِ. ضَحِكَ كَثيرونَ لِسَماعِ ذَلِكَ، وَهذَا أَمرٌ طَبيعِيّ، لَكِنَّ الغَريبَ كانَ أَنَّ لا فَتاةٍ واحِدةً تَجرُؤُ عَلَى التَّقَدُّمِ لِلنَّظرِ فِي المِرآةِ.
مَرَّت الأَيّامُ وَالأَسابيعُ، وَالمَلِكُ لا يُحَقِّقُ هَدَفَهُ فِي اِختِيارِ الزَّوجةِ. حاوَلَت بَعضُ السَّيّداتِ إِقناعَ صَديقاتِهِنّ الشَّاباتِ بِالمُخاطَرَةِ وَالذَّهابِ إِلَى الحَلَّاقِ، لَكِنَّ لَم تَظهَر أَيُّ فَتاةٍ رَغْبَةً فِي ذَلِكَ.
وَكانَ المَلِكُ وَسيمًا مَحبوبًا، وَلَهُ خِصالٌ حَسَنةٌ كَثيرةٌ، وَلِذَلِكَ كانَ مِنَ الغَريبِ أَلَّا تُحاوِلَ أَيُّ فَتاةٍ مِنَ الجَميلاتِ الَّلواتي يَأتينَ إِلَى البِلادِ أَن تَكونَ زَوجَةً لَهُ.
تَعَدَّدَت الأعذارُ، فَبَعضُ الفَتياتِ قُلْنَ إِنَّهُنَّ مَخطوباتٌ، وَأُخرياتِ اعْتَبَرْنَ الذَّهابَ إِلَى دُكّانِ الحَلَّاقِ أَمْرًا لا يَلِيقُ بِهِنَّ اجْتِماعيًا، وَأَكَّدَت أُخرياتٌ أَنَّ عَدَمَ الزَّواجِ خِيَارٌ أَفضَلُ لَهُنَّ.
وَبِمُرورِ الوَقْتِ، لُوحِظَ أَنَّ الرِّجالَ أَيضًا ابْتَعَدُوا عَنِ الزَّواجِ، مُتَأَثِّرينَ بِعَدَمِ زَواجِ المَلِكِ، رَغْمَ أَنَّ السَّببَ الحَقِيقِيَّ كانَ رَفضُ الفَتياتِ لِلنَّظرِ فِي المِرآةِ السّحرِيَّةِ.
غَضِبَ الآباءُ عَلَى بَنَاتِهِم بِسَبَبِ عَدَمِ وُجودِ طُمُوحٍ لَدَيْهِنَّ لِأَن يُصبِحْنَ مَلِكَاتٍ، بَينَما ظَلَّت الأُمَّهَاتُ صامِتاتٍ، وَكَأَنَّ هذَا الأَمْرَ لا يَهُمُّهُنَّ.
وَكانَ المَلِكُ يَسأَلُ الحَلَّاقَ كُلَّ صَبَاحٍ عَمّا إِذا جاءَت أَيُّ فَتاةٍ لِلنَّظرِ فِي المِرآةِ، وَكانَ جَوابُ الحَلَّاقِ هُوَ ذاتُهُ دَائمًا: لَقَد نَظَرَت الكَثيراتُ مِنَ الخَارجِ، لَكِنَّ لَم يَجرُؤ أَيٌّ مِنْهُنَّ عَلَى الدُّخولِ.
في يَوْمٍ غَضِبَ المَلِكُ وَقالَ: «يا جِرنادَا! أَلَيسَ فِي مَمْلَكتِي فَتاةٌ وَاحِدةٌ تَرغَبُ أَن تَكونَ عَروسَ المَلِكِ؟ في بُلدانٍ أُخرى لا يُعانُونَ مِثلَ هذِهِ المُشكِلَةِ. لِماذا أُعانِي أَنا؟»
ثُمَّ قالَ لِلْحَلَّاقِ بِجِدِّيَّةٍ: «أُريدُكَ أَنْ تَختارَ لي فَتاةً مُشرِقَةً كَوَجهِ النَّهارِ، نَقِيَّةً كَقَطراتِ النَّدى، نَفيسَةً كَالذَّهَبِ؛ فَتاةً لا تَخْشَى الوُقوفَ أَمامَ مِرآتِكَ السّحرِيَّةِ.»
قالَ الحَلَّاقُ: «جَلالَةُ المَلِكِ، قَد تَكونُ هُناكَ راعِيَةُ غَنَمٍ عَلَى سُفُحِ الجَبَلِ قادِرَةٌ عَلَى تَحَدّي سِحرِ المِرآةِ، وَلَكِنَّ هَل يُمكِنُ لِجَلالَتِكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَتاةً مِن عَامَّةِ النّاسِ؟»
رَدَّ المَلِكُ: «ادعُها تَأتي، وَلِيَقِف أَمامَ المِرآةِ السّحرِيَّةِ فِي حُضُورِ الحاشِيَةِ فِي البِلاطِ، بَعْدَ أَنْ تُحَذِّرَها مِن مَخاطرِ ذَلِكَ.»
وبالفِعلِ، جاءَت راعِيَةُ الغَنَمِ إِلَى البِلاطِ، وَأُعلِنَ فِي المدينةِ أَنَّهُ سَيُجرى قَريبًا اِختِبارُ اِختيارِ زَوجةِ المَلِكِ، وامتلأت القاعَةُ المَلَكِيَّةُ بكِبارِ سَيِّداتِ المُجتَمَعِ وفُرسانِ العائِلَةِ المَلَكِيَّةِ.
دَخَلَت راعِيَةُ الغَنَمِ القاعَةَ، وَكانَت تَشْعُرُ بِالخَجَلِ وَسَطَ ذَلِكَ الجَمعِ الكبيرِ. كانَ مَظهَرُها جَميلاً، والمَلِكُ سَرَّ بذلكَ، فاستَقْبَلَها بِلُطفٍ وَأَخبَرَهَا أَنَّهُ إِن رَغِبَت فِي الزَّواجِ مِنْهُ، عَلَيْها أَنْ تَقِفَ أَمامَ المِرآةِ السّحرِيَّةِ وَتَنظُرَ فِيهَا. المِرآةُ سَتَكشِفُ إِن كانتْ قَد اُرتُكِبَت أَخطَاءٌ فِي الماضِي، فَتَظهَرُ نِقاطٌ سَوْداءُ عَلَى سَطحِها بَعَدَدِ تِلْكَ الأَخطَاءِ.
فَرَدَّتِ الفَتاةُ: «سيدي، كُلُّنا نُخطِئُ، وَأَنَا كَذَلِكَ. أَخطَأتُ فِي رِعايَةِ قَطيعي عَلَى سُفُحِ الجَبَلِ، لَكِنّي أُحبُّهُ وَأَحرِصُ عَلَيهِ. لا طُمُوحَ لِي أَنْ أَكونَ مَلِكَةً، لَكِنّي لا أَخافُ مِنَ الوُقوفِ أَمامَ المِرآةِ وَالنَّظرِ فِيهَا.»
تَقَدَّمَت بِهُدوءٍ وَثِقةٍ نَحوَ المِرآةِ، وَنَظَرَت فِيهَا، وَشَعَرَت بِشَيءٍ مِنَ الخَجَلِ لِرُؤيةِ اِنْعِكاسِها.
اقْتَرَبَت سَيِّداتُ المُجتَمَعِ وَوَقَفْنَ حَوْلَها، وَعندما رَأَيْنَ أَنَّ سَطحَ المِرآةِ خالٍ مِنَ النِّقاطِ السَّوداءِ، خَطَفنَ المِرآةَ مِنْ يَدِها وَمَرَّرْنَهَا فِيمَا بَينَهُنَّ، قائِلاتٍ: «اُنظُرْن! لا سِحرَ فِي هذِهِ المِرآةِ، إِنَّها مُجرَّدُ خِدْعَةٍ!»
لَكِنَّ المَلِكَ قالَ: «لا يا سَيِّدات، عَلَيْكُنَّ أَنْ تَلُمَّنَ أَنفُسَكُنَّ، فَلَو كُنْتُنَّ وَاثِقاتٍ بِنَفْسِكُنَّ مِثلَ هذِهِ الرَّاعِيَةِ الَّتي سَتُصبِحُ زَوْجَتي، لَمَا خِفتنَّ جَميعًا مِنَ النَّظرِ فِي المِرآةِ.»
إرسال تعليق