في مدينةٍ بعيدة من مدن الهند القديمة، كان هناك تاجر معروف بين الناس بصدقه وأمانته. محله الصغير يفوح منه عبير الأقمشة الحريرية، يجتمع فيه الناس من كل أطراف المدينة، يثقون بكلمته، ويحبون معاملته.
وذات صباحٍ دافئ، دخل عليه رجلٌ فقير الملبس، شاحب الوجه، تنطق عيناه بحلمٍ دفين. نظر حوله بإعجاب وقال: "ليتني أملك دكانًا مثل هذا!". رق قلب التاجر لكلماته، وقال له بابتسامة طيبة: "خذ ما تحتاج من البضائع... وبعه، لا تدفع لي شيئًا الآن. تعال بعد سنة." لم يصدق الرجل أذنه، لكن التاجر أصر، فحمل السلع وانصرف.
مرت السنوات، ولم يعد الرجل، ولم يصل للتاجر أي خبر. قرر أن يبحث عنه بنفسه، فسافر من بلدة إلى بلدة. وذات يوم، بينما يتجول في مدينة مجاورة، لفت نظره محل فاخر مزدحم بالزبائن. دخله... وفوجئ! إنه نفس الرجل الذي أعطاه البضائع!
اقترب منه وقال بودّ: "أنا من ساعدك منذ سنوات... ألا تذكر؟" لكن التاجر الغادر أنكر وقال: "أنا لا أعرفك"، ثم أمر عماله بطرده بقسوة.
عاد التاجر الأمين في المساء حزينًا، واستأجر غرفةً ليمضي ليلته. وما إن حل الليل، حتى سمع قرع طبولٍ صاخب يهز المدينة. سأل صاحب المنزل عن السبب، فأجابه: "إنها عادة المدينة... نقرع الطبول عند موت أحد، وكلما ارتفعت مكانته، زادت قرعات الطبل."
فكر التاجر بحيلة ذكية. وفي الصباح، ذهب إلى الطبال وقال: "إذا مات الوزير، كم تقرع الطبول؟" "عشرون مرة"، أجابه. قال التاجر: "سأدفع لك ضعف أجرك، إن قرعتها أربعين مرة اليوم."
نفّذ الطبال ما قيل له، فاجتمعت المدينة مندهشة، وغضب الحاكم. استُدعي الطبال فورًا، فأشار إلى التاجر. قال الحاكم بغضب: "ما هذا الجنون؟" فأجاب التاجر بهدوء: "إذا كانت الطبول تُقرَع عند موت الوزير عشرين مرة، فكم تقرع حين تموت الأمانة؟"
أمر الحاكم بإحضار التاجر الخائن فورًا، وعندما واجهه، ارتجف قلبه خوفًا... فاعترف بكل شيء، وردّ الأموال إلى صاحبها. عاد التاجر الأمين إلى قريته سعيدًا، وبين يديه ثقة جديدة... بأن الأمانة لا تموت ما دامت تُدافع عن نفسها.
إرسال تعليق