ٱلسِّنْدِبَادِ ٱلْبَحْرِيِّ

كَانَ يا مَا كَانَ فِي قَدِيمِ ٱلزَّمَانِ، فِي بَلَدِ ٱلْبَصْرَةِ، تَاجِرٌ غَنِيٌّ يُسَمَّى ٱلسِّنْدِبَادُ ٱلْبَحْرِيُّ، كَانَ يُحِبُّ ٱلسَّفَرَ وَٱلرِّحْلَاتِ فِي ٱلْبِحَارِ وَٱلْمُدُنِ ٱلْبَعِيدَةِ.

وَفِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ، جَلَسَ سِنْدِبَادُ فِي دَارِهِ يُفَكِّرُ فِي حَيَاتِهِ، فَقَالَ:

"يَا لَهَا مِنْ دُنْيَا! قَدْ كُنْتُ فَقِيرًا، وَأَصْبَحْتُ غَنِيًّا، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ سَفَرِي وَتِجَارَتِي فِي ٱلْبِحَارِ!"

فَقَرَّرَ أَنْ يَقُصَّ سَبْعَ رِحْلَاتٍ قَامَ بِهَا عَلَى أَصْدِقَائِهِ، وَبَدَأَ بِٱلرِّحْلَةِ ٱلْأُولَى.


ٱلرِّحْلَةُ ٱلْأُولَى

قَالَ سِنْدِبَادُ:

"فِي شَبَابِي، كُنْتُ أَشْتَاقُ إِلَى ٱلسَّفَرِ، فَبِعْتُ مَا عِنْدِي، وَٱشْتَرَيْتُ بِهِ بَضَائِعَ، وَرَكِبْتُ ٱلْبَحْرَ مَعَ تُجَّارٍ كَثِيرِينَ."

وَفِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، وَصَلُوا إِلَى جَزِيرَةٍ ظَنُّوهَا أَرْضًا، فَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَأَشْعَلُوا نِيرَانَهُمْ لِلطَّهْيِ، وَلَكِنَّ ٱلْجَزِيرَةَ كَانَتْ ظَهْرَ حُوتٍ كَبِيرٍ!

فَلَمَّا أَحَسَّ ٱلْحُوتُ بِٱلنَّارِ، غَاصَ فِي ٱلْمَاءِ، وَغَرِقَ كَثِيرٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، أَمَّا أَنَا فَتَعَلَّقْتُ بِقَطَعَةِ خَشَبٍ، وَتَأَرْجَحْتُ عَلَى ٱلْأَمْوَاجِ حَتَّى أَصْبَحْتُ فِي جَزِيرَةٍ أُخْرَى.

فِي تِلْكَ ٱلْجَزِيرَةِ، وَجَدْتُ حِصَانًا أَبْيَضَ، فَخَبَّأْتُ نَفْسِي، وَإِذْ بِرَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ ٱلْأَرْضِ، وَيَقُولُ لِي:

"مَنْ أَنْتَ؟!"

فَقُلْتُ: "أَنَا تَاجِرٌ غَرِقَتْ سَفِينَتِي."

فَقَالَ: "تَعَالَ مَعِي، هَذِهِ ٱلْجَزِيرَةُ لِمَلِكٍ عَظِيمٍ، سَتَكُونُ فِي أَمَانٍ."

فَأَخَذَنِي إِلَى مَدِينَةِ ٱلْمَلِكِ، وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّتِي، فَأَكْرَمَنِي، وَصِرْتُ مِنْ تِجَّارِهِ، وَبِٱلصُّدْفَةِ، جَاءَتْ سَفِينَةٌ إِلَى ٱلْمِينَاءِ، وَكَانَتْ نَفْسَ سَفِينَتِي ٱلَّتِي غَرِقْتُ مِنْهَا!

فَقَالَ ٱلنَّوَاتِي: "هَذِهِ بَضَائِعُ تَاجِرٍ غَرِقَ فِي ٱلْبَحْرِ، يُسَمَّى سِنْدِبَادَ!"

فَقُلْتُ لَهُمْ: "أَنَا سِنْدِبَاد!"

فَفَرِحُوا، وَرَدُّوا إِلَيَّ بَضَائِعِي، وَعُدْتُ إِلَى بَغْدَادَ غَنِيًّا، وَشَكَرْتُ ٱللَّهَ عَلَى نَجَاتِي.


ٱلرِّحْلَةُ ٱلثَّانِيَةُ

قَالَ السِّنْدِبَادُ:

"لَمَّا عُدْتُ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ ٱلرِّحْلَةِ ٱلْأُولَى، حَمِدْتُ ٱللَّهَ وَعِشْتُ فِي نَعِيمٍ، وَلَكِنَّ ٱلنَّفْسَ تَشْتَاقُ إِلَى ٱلسَّفَرِ وَٱلْمُغَامَرَةِ، فَقَرَّرْتُ ٱلسَّفَرَ مَرَّةً أُخْرَى!"

فَجَهَّزْتُ نَفْسِي، وَرَكِبْتُ سَفِينَةً جَدِيدَةً، وَمَعَنَا تُجَّارٌ وَبَضَائِعُ كَثِيرَةٌ. سَارَتْ بِنَا ٱلسَّفِينَةُ فِي ٱلْبَحْرِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى جَزِيرَةٍ غَرِيبَةٍ.

نَزَلْنَا عَلَيْهَا لِنَسْتَرِيحَ، وَبَيْنَمَا أَتَجَوَّلُ فِي أَنْحَائِهَا، غَفَلْتُ عَنِ ٱلسَّفِينَةِ، فَغَادَرَتْ بِدُونِي، وَتَرَكُونِي وَحِيدًا!

فَجَلَسْتُ عَلَى ٱلشَّاطِئِ حَزِينًا، أَبْكِي وَأَقُولُ:
"وَيْلِي! مَاذَا سَأَفْعَلُ؟! أُتْرِكُ فِي جَزِيرَةٍ وَحِيدًا؟!"

وَبَعْدَ سَاعَاتٍ، رَأَيْتُ فِيلًا عَظِيمًا يَمُرُّ قُرْبِي، فَخِفْتُ وَتَسَلَّقْتُ شَجَرَةً. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي ٱلْبُعْدِ مَدِينَةً، فَسِرْتُ نَحْوَهَا حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهَا.

فَقَدَّمُونِي إِلَى مَلِكِهَا ٱلْعَادِلِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرِي، فَقُلْتُ:

"أَنَا تَاجِرٌ غَرِقَتْ سَفِينَتِي، وَتُرِكْتُ فِي ٱلْجَزِيرَةِ."

فَرَحَّبَ بِي، وَأَكْرَمَنِي، وَأَعْطَانِي عَمَلًا فِي تِجَارَةِ ٱلْمَلِكِ، وَكُنْتُ أَكْتُبُ وَأُحَاسِبُ لَهُ. وَبِسَبَبِ ذَكَائِي وَأَمَانَتِي، أَصْبَحْتُ مِنْ مُقَرَّبِي ٱلْمَلِكِ.

وَبَيْنَمَا أَنَا فِي ٱلسُّوقِ ذَاتَ يَوْمٍ، سَمِعْتُ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ تُجَّارٍ وَصَلُوا فِي سَفِينَةٍ، فَذَهَبْتُ إِلَيْهَا، وَإِذَا هِيَ نَفْسُ ٱلسَّفِينَةِ ٱلَّتِي تَرَكْتُنِي فِي ٱلْجَزِيرَةِ!

فَقُلْتُ لِرُبَّانِهَا:
"أَنَا سِنْدِبَادُ!"
فَقَالَ:
"كُنَّا نَظُنُّكَ مَيِّتًا!"

فَرَجَعُوا إِلَيَّ بِبَعْضِ أَمْوَالِي، وَعُدْنَا سَوِيًّا إِلَى بَغْدَادَ، وَرَجَعْتُ أَغْنَى وَأَسْعَدَ مِمَّا كُنْتُ.


ٱلرِّحْلَةُ ٱلثَّالِثَةُ

قَالَ سِنْدِبَادُ:

"لَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَعِشْتُ فِي رَغَدٍ وَنَعِيمٍ، عَادَ ٱلشَّوْقُ إِلَى ٱلسَّفَرِ، وَقَرَّرْتُ أَنْ أُجَرِّبَ حَظِّي مَرَّةً ثَالِثَةً."

فَرَكِبْتُ سَفِينَةً مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ ٱلتُّجَّارِ، وَسَافَرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ أَيَّامًا طَوِيلَةً. وَفِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ، ضَرَبَتْنَا عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَانْحَرَفَتِ ٱلسَّفِينَةُ عَنْ مَسَارِهَا، حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى جَزِيرَةٍ مُخِيفَةٍ.

فَنَزَلْنَا عَلَيْهَا، وَبَيْنَمَا نَسِيرُ فِيهَا، رَأَيْنَا قَصْرًا عَظِيمًا، فَدَخَلْنَاهُ لِنَحْتَمِيَ فِيهِ، فَوَجَدْنَا أَنَّهُ خَالٍ، فَقُلْنَا:
"نَبِيتُ اللَّيْلَةَ هُنَا."

وَعِنْدَ ٱلصَّبَاحِ، سَمِعْنَا أَرْضًا تَهْتَزُّ، وَإِذَا بِعِمْلَاقٍ أَعْوَرَ، طَوِيلٍ جِدًّا، يَدْخُلُ إِلَيْنَا! كَانَ يَحْمِلُ فِي يَدِهِ مِقْلاَةً كَبِيرَةً، فَأَمْسَكَ بِأَحَدِ ٱلتُّجَّارِ، وَشَوَاهُ فِي ٱلنَّارِ، وَأَكَلَهُ أَمَامَنَا!

فَخِفْنَا خَوْفًا شَدِيدًا، وَتَفَكَّرْنَا فِي خُطَّةٍ لِلْهُرُوبِ. فِي ٱللَّيْلِ، أَخَذْنَا عِمُودًا حَدِيدِيًّا، وَأَشْعَلْنَاهُ فِي ٱلنَّارِ، وَعِنْدَمَا نَامَ ٱلْعِمْلَاقُ، غَرَزْنَا ٱلْعِمُودَ فِي عَيْنِهِ حَتَّى صَاحَ وَصَاحَ!

فَفَرَرْنَا نَحْنُ مَنْ بَقِيَ مِنَ ٱلتُّجَّارِ، وَخَرَجْنَا مِنَ ٱلْقَصْرِ وَهَرَبْنَا. وَلَكِنَّ ٱلْعِمْلَاقَ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ، فَلَمَّا عَلِمُوا بِمَا فَعَلْنَا، لَحِقُوا بِنَا وَرَمَوْا عَلَيْنَا ٱلْحِجَارَةَ مِنْ ٱلْجِبَالِ.

فَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِي، وَنَجَوْتُ مَعَ قَلِيلٍ مِنَ ٱلنَّاسِ، فَبَنَيْنَا قَارِبًا صَغِيرًا، وَسِرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى جَزِيرَةٍ أُخْرَى.

فِي تِلْكَ ٱلْجَزِيرَةِ، وَجَدْنَا جَوَاهِرَ تَتَلَأْلَأُ عَلَى ٱلْأَرْضِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ مَلِيئَةً بِٱلْحَيَّاتِ وَٱلثُّعْبَانِ.

فَقُلْنَا:
"لَا نَقْتَرِبُ مِنْهَا حَتَّى نَجِدَ طَرِيقًا آمِنًا."

فَجَاءَ قَوْمٌ فِي سَفِينَةٍ، وَجَمَعُوا ٱلْجَوَاهِرَ، فَرَكِبْنَا مَعَهُمْ، وَبِعْنَا بَعْضَهَا، وَرَجَعْنَا إِلَى بَغْدَادَ، وَحَمِدْتُ ٱللَّهَ عَلَى نَجَاتِي.



ٱلرِّحْلَةُ ٱلرَّابِعَةُ

قَالَ سِنْدِبَادُ:

"لَمَّا عُدْتُ مِنْ رِحْلَتِي ٱلثَّالِثَةِ، أَقْسَمْتُ أَنْ لَا أُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَرَّرْتُ أَنْ أَعِيشَ فِي هُدُوءٍ وَرَاحَةٍ. وَلَكِنَّ ٱلشَّوْقَ إِلَى ٱلْبَحْرِ وَٱلْمُغَامَرَةِ عَادَ إِلَيَّ، فَقَرَّرْتُ ٱلسَّفَرَ مَرَّةً رَابِعَةً."

فَرَكِبْتُ سَفِينَةً كَبِيرَةً، وَمَعِي تُجَّارٌ وَبَضَائِعُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَحْرِ، ضَلَلْنَا ٱلطَّرِيقَ، وَوَصَلْنَا إِلَى جَزِيرَةٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ رُبَّانُ ٱلسَّفِينَةِ:

"هَذِهِ ٱلْجَزِيرَةُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحَدٌ، وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُهَا يَهْلِكُ!"

وَقَبْلَ أَنْ نَهْرُبَ، جَاءَ إِلَيْنَا قَوْمٌ، أَخَذُونَا أَسْرَى، وَسَاقُونَا إِلَى مَلِكِهِمْ. كَانُوا قَوْمًا يَأْكُلُونَ لُحُومَ ٱلْبَشَرِ!

فَقَدَّمُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا طَعَامًا مَسْمُومًا، فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُ أَصَابَهُ جُنُونٌ، وَصَارَ يَأْكُلُ بِلَا وَعْيٍ حَتَّى يُسَمِّنُوهُ، ثُمَّ يَذْبَحُوهُ وَيَأْكُلُوهُ!

أَمَّا أَنَا، فَامْتَنَعْتُ عَنِ ٱلْأَكْلِ، وَتَظَاهَرْتُ بِٱلْمَرَضِ، حَتَّى ضَعُفَ جِسْمِي، فَتَرَكُونِي. وَفِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، هَرَبْتُ إِلَى ٱلْغَابَةِ، وَسِرْتُ أَيَّامًا طَوِيلَةً حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى.

فَقَابَلَنِي رَجُلٌ كَرِيمٌ، وَأَخَذَنِي إِلَى مَلِكِ ٱلْمَدِينَةِ، فَأَعْجَبَ بِي وَبِفِقْهِي وَفَصَاحَتِي، فَجَعَلَنِي مِنْ مُقَرَّبِيهِ.

وَبِمُرُورِ ٱلزَّمَنِ، زَوَّجَنِي ٱلْمَلِكُ ٱبْنَةَ أَحَدِ ٱلْأَشْرَافِ، فَعِشْتُ مَعَهَا فِي سَعَادَةٍ. وَلَكِنْ، مَاتَتْ زَوْجَتِي، وَفُوجِئْتُ أَنَّ عَادَةَ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ أَنَّهُ:

"إِذَا مَاتَ أَحَدُ ٱلزَّوْجَيْنِ، دُفِنَ ٱلآخَرُ مَعَهُ فِي ٱلْقَبْرِ!"

فَأَخَذُونِي مَعَ جُثَّةِ زَوْجَتِي، وَأَنْزَلُونِي فِي مَغَارَةٍ كَبِيرَةٍ مَعَ ٱلطَّعَامِ وَٱلْمَاءِ. وَعِنْدَمَا أَغْلَقُوا ٱلْمَغَارَةَ، أَحْسَسْتُ بِٱلرُّعْبِ وَٱلظُّلْمَةِ.

وَكُلَّمَا دَفَنُوا شَخْصًا جَدِيدًا، كَانُوا يُلْقُونَهُ مَعَنَا، حَتَّى صَارَتِ ٱلْمَغَارَةُ مُمْتَلِئَةً بِٱلْجُثَثِ!

فَقَرَّرْتُ أَنْ أَحْفُرَ نَفَقًا فِي ٱلْجِدَارِ بِعِظَامِ ٱلْمَوْتَى، وَبَعْدَ أَيَّامٍ طَوِيلَةٍ، خَرَجْتُ إِلَى ٱلْبَحْرِ!

فَرَآنِي بَعْضُ ٱلصَّيَّادِينَ، وَحَمَلُونِي إِلَى مَلِكِهِمْ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّتِي، فَأَعْجِبَ بِي، وَأَكْرَمَنِي.

ثُمَّ رَكِبْتُ مَعَ قَافِلَةٍ إِلَى بَغْدَادَ، وَعُدْتُ وَأَنَا أَشْكُرُ ٱللَّهَ عَلَى ٱلنَّجَاةِ.



ٱلرِّحْلَةُ ٱلْخَامِسَةُ

قَالَ سِنْدِبَادُ:

"لَمْ أَتَّعِظْ بِمَا جَرَى لِي فِي ٱلرِّحْلَاتِ ٱلسَّابِقَةِ، فَلَمَّا طَالَ بِي ٱلْمَقَامُ فِي بَغْدَادَ، شَعَرْتُ بِٱلْمَلَلِ، وَهَيَّجَ ٱلْبَحْرُ فِي قَلْبِي شَوْقًا قَدِيمًا، فَقَرَّرْتُ أَنْ أُسَافِرَ مَرَّةً خَامِسَةً."

فَرَكِبْتُ سَفِينَةً مَعَ نُخْبَةٍ مِنَ ٱلتُّجَّارِ، وَحَمَلْنَا مَعَنَا بَضَائِعَ نَفِيسَةً. وَبَعْدَ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَحْرِ، هَبَّتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَلْقَتْ بِنَا إِلَى جَزِيرَةٍ نَائِيَةٍ، نَزَلْنَا عَلَيْهَا وَتَجَوَّلْنَا نَبْحَثُ عَنِ ٱلطَّعَامِ وَٱلْمَاءِ.

وَبَيْنَمَا نَتَجَوَّلُ، رَأَيْنَا طَائِرَةَ "الرُّخِّ" الْعَجِيبَةَ، وَهِيَ طَائِرَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، لَهَا جَنَاحَانِ كَٱلْجَبَلَيْنِ! فَخَافَ ٱلتُّجَّارُ، وَاخْتَبَؤُوا، وَأَمَّا أَنَا فَخَطَرَ لِي فِكْرٌ غَرِيبٌ...

رَبَطْتُ نَفْسِي بِرِجْلِ ٱلطَّائِرِ بِقِطَعٍ مِنَ ٱلْقِمَاشِ، عَلَّنِي أَسْتَفِيدُ مِنْ طَيَرَانِهِ وَيَأْخُذُنِي إِلَى مَكَانٍ آخَر.

وَعِنْدَمَا طَارَ ٱلطَّائِرُ، صَعِدَ بِي فِي ٱلسَّمَاءِ حَتَّى كَادَ يُلَامِسُ ٱلسُّحُبَ! ثُمَّ هَبَطَ فِي وَادٍ عَجِيبٍ يُعْرَفُ بِـ "وَادِي ٱلْأَلْمَاسِ".

كَانَ ذَلِكَ ٱلْوَادِي مُمْتَلِئًا بِحَصَى ٱلْأَلْمَاسِ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَثْرَةِ ٱلْحَيَّاتِ وَٱلثُّعْبَانِ ٱلضَّخْمَةِ فِيهِ. وَمِنْ عَادَاتِ ٱلتُّجَّارِ أَنْ يَرْمُوا فِرَاءً مَذْبُوحًا إِلَى قَاعِ ٱلْوَادِي، فَيَلْتَصِقُ بِهِ ٱلْأَلْمَاسُ، وَيَحْمِلُهُ ٱلطَّائِرُ إِلَى أَعَالِي ٱلْجِبَالِ.

فَعَمِلْتُ مِثْلَهُمْ، وَأَخْفَيْتُ نَفْسِي فِي جِلْدِ حَيَوَانٍ، فَحَمَلَنِي ٱلطَّائِرُ إِلَى أَعْلَى ٱلْجَبَلِ، فَخَرَجْتُ وَأَخَذْتُ مَعِي مَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْأَلْمَاسِ، فَفُوجِئَ ٱلتُّجَّارُ بِي، وَرَحَّبُوا بِي.

وَرَكِبْتُ مَعَهُمْ، وَبِعْنَا بَعْضَ ٱلْأَلْمَاسِ، وَكُنْتُ مِنْ أَغْنَى ٱلتُّجَّارِ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَأَكْرَمْتُ ٱلْفُقَرَاءَ وَٱلضُّيُوفَ، وَحَمِدْتُ ٱللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ وَنَجَاتِي.


ٱلرِّحْلَةُ ٱلسَّادِسَةُ

قَالَ سِنْدِبَادُ:

"فِي ٱلرِّحْلَةِ ٱلسَّادِسَةِ، رَكِبْتُ سَفِينَةً وَٱلْقَلْبُ مُمْلَأٌ بِٱلشَّجَنِ وَٱلشُّجَاعَةِ، وَٱلسَّفَرُ مَجْدٌ وَمُغَامَرَةٌ."

وَفِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، ٱلْتَقَيْنَا بِسَفِينَةٍ أُخْرَى، وَتَعَارَفْنَا مَعَ رِجَالِهَا. وَبَعْدَ ٱلسَّفَرِ، وَصَلْنَا إِلَى جَزِيرَةٍ غَرِيبَةٍ تَغْلِبُ عَلَيْهَا ٱلظُّلْمَةُ، وَعِنْدَ ٱلْدُّخُولِ، رَأَيْنَا مَكَانًا مَمْلُوءًا بِٱلذَّهَبِ وَٱلثَّرْوَةِ.

لَكِنَّ ٱلْجَزِيرَةَ كَانَتْ مَحْرُوسَةً مِنْ قِبَلِ وَحْشٍ عَظِيمٍ، شِبْهِ تِنِّينٍ. فَٱلْوَحْشُ لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَتَقَرَّبُ مِنَ ٱلثَّرْوَةِ.

فَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أَجِدَ طَرِيقًا لِلْخُرُوجِ بِٱلثَّرْوَةِ بِدُونِ أَنْ أُهْلَكَ.

فَأَعْطَانِي رَجُلٌ حِكْمَةً، وَقَالَ:

"ٱسْتَعْمِلِ ٱلْمِرْآةَ لِتَرَى وَرَاءَ ٱلْوَحْشِ."

فَأَخَذْتُ مِرْآةً وَوَضَعْتُهَا، فَرَأَيْتُ طَرِيقًا خَفِيًّا وَرَاءَ ٱلْوَحْشِ، فَسِرْتُ فِيهِ بِحَذَرٍ، وَجَمَعْتُ ٱلذَّهَبَ وَٱلثَّرْوَةَ.

وَعِنْدَمَا رَجَعْتُ، ٱلْوَحْشُ أَدْرَكَ مَكَانِي، فَٱهْتَدَيْتُ إِلَى نَفَقٍ ضَيِّقٍ وَسَرِيعٍ فَرَارًا مِنْهُ، حَتَّى نَجَوْتُ.

وَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ أَغْنَى مِنْ قَبْلُ، وَعِشْتُ فِي ٱلسَّلَامِ وَٱلسُّرُورِ، وَشَكَرْتُ ٱللَّهَ عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ."**

ٱلرِّحْلَةُ ٱلسَّابِعَةُ

قَالَ سِنْدِبَادُ:

"فِي هَذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلسَّابِعَةِ، ٱرْتَحَلْتُ فِي بَحْرٍ عَاصِفٍ، وَٱلرِّيَاحُ تَعْصِفُ بِٱلسَّفِينَةِ، فَفَقَدْنَا ٱلْوَجْهَةَ.

وَفِي نَهَارٍ، نَزَلْنَا عَلَى جَزِيرَةٍ غَرِيبَةٍ، لَقَدْ كَانَتْ مَحْطَّةَ ٱلرِّحْلَةِ، وَفِي ٱلْوَسَطِ وَجَدْنَا مَكْتَبَةً عَظِيمَةً مَمْلُوءَةً بِٱلْكُتُبِ ٱلْقَدِيمَةِ وَٱلْمَعْرِفَةِ.

وَتَعَرَّفْتُ إِلَى عَالِمٍ حَكِيمٍ مِنَ ٱلْجَزِيرَةِ، أَخْبَرَنِي أَنَّ هَذِهِ ٱلْمَكْتَبَةَ تُحْتَفَظُ بِهَا مِنْ أَجْلِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ.

وَفِي ٱلَّيْلِ، وَأَنَا أَتَفَحَّصُ بَعْضَ ٱلْكُتُبِ، وَجَدْتُ كِتَابًا يَحْكِي عَنْ خَزَائِنِ ٱلْجَزِيرَةِ وَمَخَابِئِهَا السِّرِّيَّةِ.

فَخَرَجْتُ لِلْبَحْثِ، وَوَجَدْتُ نَفَقًا سِرِّيًّا يَقُودُ إِلَى مَغَارَةٍ مَمْلُوءَةٍ بِٱلْجَوَاهِرِ وَٱلثَّرْوَةِ.

وَحَمَلْتُ مَا أَسْتَطِيعُ، وَعُدْتُ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ، وَرَكِبْتُ إِلَى بَغْدَادَ حَامِلًا مَعِي هَذِهِ ٱلثَّرْوَةَ وَٱلْعِلْمَ."**


Post a Comment

أحدث أقدم