وَليمَةُ الدِّبَبَةِ

 


كان هناكَ رَجُلٌ عَجوزٌ يَعيشُ في ألاسكا وَحيدًا حَزينًا. فقدَ كُلَّ أَفرادِ عائلَتِهِ وَأصدِقائِهِ مُنذُ مُدَّةٍ طَويلة، فبدأ يُفَكِّرُ في مُغادَرَةِ قَريتِهِ لِيَبدأَ حَياةً جَديدةً في مَكانٍ آخر. قالَ في نَفسِهِ: «إِذا رَحَلتُ إلى مَكانٍ جَديدٍ، فلَن أَكونَ مُحاطًا بِكُلِّ تِلكَ الذِّكرياتِ الَّتي تُؤلِمُني.»

لكنه ما لَبِثَ أن قَلِقَ وقالَ لنَفسِهِ: «إِذا ذَهَبتُ إلى قَريَةٍ أُخرى، ورآني الناسُ وَحيدًا، فَقَد يَظُنّونَ أنَّني أَفَررتُ مِن قَريَتي لِذَنبٍ فادِحٍ ارتَكبتُهُ!»

فَعَدلَ عَن رَأيِهِ، وقرَّرَ أن يَذهَبَ إلى الغابَةِ ليَعيشَ فيها وَحدَه.


وبَينَما كانَ يَمشي حَزينًا في الغابَة، خَطَرَ لَه أن يَذهَبَ إِلى الدِّبَبَةِ وَيَترُكَ لَها أَمرَ قَتلِهِ. كانت قَريتُهم قُربَ جَدوَلٍ كَبيرٍ مَليءٍ بِأسماكِ السَّلمون. فَفي الصَّباحِ التالي، ذَهَبَ مُبَكِّرًا إلى المَكانِ وَجَدَّ نَحوَ دَربِ الدِّبَبَةِ، وَتمَدَّدَ في نِهايَتِهِ.

ظَنَّ أنَّ الدِّبَبَةَ، عِندَ عَودَتِها، سَتَجِدُهُ فَتَقتُلَهُ، وَهكذا تَنتهي مَعاناتُه.


بَعدَ قَليلٍ، بَينَما هو مُستَلْقٍ، سَمِعَ أَصواتًا تُحَرِّكُ الشُّجَيرات. نَظَرَ، فَإِذا بِمَجموعةٍ مِنَ الدِّبَبَةِ البُنِّيَّةِ تَتَقَدَّمُ، يَقودُها دُبٌّ ضَخْمٌ يَغلِبُ البَياضُ على شَعرِ أَطرافِهِ.

اِرتَعَدَ الرَّجُلُ خَوفًا، وَأدرَكَ أَنَّهُ لا يُريدُ المَوتَ أبدًا، وَبِالتَّأكيدِ لَيسَ عَلى يَدِ دُبٍّ. فَما إِن وَصَلَ إِليهِ الدُّبُّ الكَبيرُ، حَتَّى وَقَفَ الرَّجُلُ وَقالَ:

«جِئتُ لأَدعوكُم إِلى وَليمة.»

اِرتَبَكَ الدُّبُّ الكَبيرُ وَرَفَعَ أَذُنَيهِ، وَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ هالِكٌ لا مَحالَة. فَأَضافَ قائِلًا: «إِن شِئتَ قَتلي فَاقتلني، فَأنا وَحيدٌ بَعدَ فُقدانِ أَهلي وَأَحبّائي.»


سَكَتَ الدُّبُّ الكَبيرُ، ثُمَّ أَطلَقَ زَئيرًا عَجيبًا، فَتَراجَعَتِ الدِّبَبَةُ مَعهُ وَعادوا مِن حَيثُ أَتَوا.

أَسرَعَ الرَّجُلُ عائِدًا إِلى قَريتِهِ، وَراحَ يَتَساءَل: «يا تُرى، هَل عادَ الدُّبُّ الكَبيرُ ليُخَبِّرَهُم أَنَّهُم مَدعوُّون إِلى الوَليمَة؟»

فَقالَ لِنَفسِهِ: «إِذًا، عَلَيَّ أَن أَتَجَهَّزَ.»


عِندَما وَصَلَ إلى بَيتِهِ، نَظَّفَ المَكان، وَاستَبدَلَ الرَّملَ المُحيطَ بِالمِدفأَةِ بِرَملٍ نَظيفٍ، وَأَحضَرَ حَطَبًا كَثيرًا.

وَعِندما أَخبَرَ أَهلَ القَريَةِ بِما يَنوي فِعلَه، خافُوا وَقالوا: «ما الَّذي تَفعَلُهُ؟! إِنَّهُم أَعداؤُنا، أَتُريدُ أَن تَدعُوَ دِبَبَةً إِلى بَيتِكَ؟!»

عادَ الرَّجُلُ إِلى بَيتِهِ، وَرَسَمَ بِالأَحمَرِ خُطوطًا على صَدرِهِ وَذِراعَيهِ، خَطًّا على القَلبِ، وَآخَرَ على الكَتِفِ وَالصَّدرِ العُلوي.


في الصَّباحِ الباكِر، بَعدَما أَعدَّ كُلَّ شَيءٍ، خَرَجَ يَنتَظِرُ الضُّيوف. وَما لَبِثَ أَن رآهُم عِندَ الجَدوَلِ، يَتَقَدَّمُهُم الدُّبُّ الكَبيرُ نَفسُه.

دَخَلَ أَهلُ القَريَةِ بُيوتَهُم مُسرِعين، وَأَغلَقوا الأَبوابَ خَوفًا، أَمَّا الرَّجُلُ العَجوزُ فَبَقِيَ يَنتَظِرُهُم بِهُدوء.


عِندَما دَخَلُوا، أَجلَسَهُم الرَّجُلُ، وَجَعَلَ الكَبيرَ في المُنتَصَفِ عِندَ آخِرِ البَيت. فِي البِدايَةِ قَدَّمَ صَوانيَ التُّوتِ البَرِّيِّ المُحفوظِ بِالدُّهونِ، وَبَعدَ أَن أَشارَ الدُّبُّ الكَبيرُ، بَدَأَتِ الدِّبَبَةُ تَأكُل.

ثُمَّ قَدَّمَ لَهُم سَلمونًا مُزَيَّنًا بِالبَرسيمِ وَالهِندَباءِ البَرِّيَّةِ، وَبَعدَها لَحمَ الغَزالِ بِالصَّنَوبر، وَأَخيرًا لِلحَلوى: تُوتَ العُلَّيقِ بِالعَسَل.


بَعدَ الوَليمَةِ، قامَ الدُّبُّ الكَبيرُ وَتَحدَّثَ طَويلًا، وَكَأَنَّهُ يُلقي خِطابًا أَمامَ الجَميع، فَكانَ يَنظُرُ إِلى المِدفأَةِ كَأَنَّهُ يُخاطِبُ الجُمهور.

وَعِندَما فَرَغَ مِن كَلامِهِ، تَقدَّمَ إِلى الرَّجُلِ، وَلَعِقَ الطِّلاءَ الأَحمَرَ مِن صَدرِهِ وَذِراعِهِ، وَتَبِعَهُ كُلُّ دُبٍّ فِي المَجمُوعَةِ، حَتَّى شَعَرَ الرَّجُلُ أَنَّهُم يُزيلونَ حُزنَهُ وَألمَه.


فِي اليَومِ التالي، جاءَ أَصغَرُ الدِّبَبَةِ فِي شَكلِ إِنسَانٍ، وَقالَ لِلرَّجُلِ: «أَنا أَصليًّا إِنسانٌ، وَلَكِنِ الدِّبَبَةُ خَطَفَتني وَتَبَنَّتني. هَل فَهِمتَ ما قالَهُ الدُّبُّ الكَبير؟»

قالَ الرَّجُلُ: «لا، لَم أَفهَم.»

قالَ: «قالَ إِنَّهُ يَمرُّ بِما تَمرُّ بِهِ. هو أَيضًا عَجوزٌ وَفَقَدَ أَحبَّتَهُ، وَسَمِعَ عنكَ قَبلَ أَن يَراك. قالَ: إِذا نَحَبتَ عَلَى أَهلكَ، فَتَذَكَّرْ أَنَّهُ يَفهَمُ ذَلكَ، فَهو يَعرِفُ مَعناه.»

سَأَلَهُ الرَّجُلُ: «لِمَ لَم يَقُل ذَلكَ أَثناءَ الوَليمَة؟»

قالَ: «لِأَنَّهُ لَيسَ مَسموحًا لِي أَن أَتحوَّلَ إِلى شَكلِي البَشَرِيِّ أَمامَ الدُّبِّ الكَبيرِ.»


وَمُنذُ ذَلكَ الوَقتِ، كُلَّما أَقامَ أَهلُ القَريَةِ وَلِيمَةً، كانوا يَدعُونَ أَحدَ أَعدائِهِم، فَيُصبِحُ صَديقًا، كَما فَعَلَ الرَّجُلُ العَجوزُ مَعَ كَبيرِ دِبَبَةِ الغابَة.

Post a Comment

أحدث أقدم