الخَنَازيرِ الثَّلاثَة



ذاتَ يَومٍ، كانَت تَعيشُ خَنزيرةٌ معَ أَطفالِها الثَّلاثةِ، وفِي نَفسِ اليَومِ قالَت لِأَبنائِها:

— أَطفالِي، قَد كَبُرتُم الآنَ، وعَلَيكُم أَن تَعتَمِدوا على أَنفُسِكُم، ولَن أُسانِدَكُم بَعدَ الآن.

وأعطَتِ الأمُّ أَبنائَها نُقودًا لِيُسافِروا ويَبنوا مَنازِلَهُم بَعيدًا. فَترَكَ الخَنازيرُ الثَّلاثةُ المَنزِلَ مَعًا، وفِي الطَّريقِ جَلَسوا تَحتَ شَجَرةٍ لَيلاً وتَناقَشوا في ما سَيفعَلونَهُ في المُستَقبَل.

قالَ أَحَدُ الإِخوةِ الثَّلاثة:
— هذِهِ الآنَ فُرصَتُنا لِنُثبِتَ أَنفُسَنا، فَلِمَ لا نَنفَصِلَ ونُجَرِّبَ حَظَّنا بَعيدًا؟

قالَ الأخُ الثَّاني:
— نَعم، فَلنَعتَمِد على قُوَّتِنا فَقَط.

أمَّا الخَنزيرُ الثَّالثُ، الَّذي كانَ أَكثرَهُم حِكمَةً، فَلَم يُسعِدْهُ فِكرةُ الانفصالِ، وكانَ يَعلَمُ أَنَّهُ مِنَ المُحتمَلِ أَن يَستَغلَّ أَحدُهم سَذاجَةَ أَخَويهِ ويُوقِعَهُما في المَشاكِل.

فقالَ الخَنزيرُ الثَّالث:
— يا أَخوَيَّ، أنا لا أَتَّفِقُ مَعَكُما، فَقُوَّتُنا في وَحْدَتِنا، وعَلَينا أَلّا نَضعِفَ قُوَّتَنا.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّل:
— أَنتَ دَائِمًا تُحِبُّ النَّصحَ، فَنَحنُ نَعلَمُ ما نَفعلُ وما لا يَجِبُ فِعله!

قالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— نَعم، لم نَعُدْ أَطفالًا صِغارًا لِنَسمَعَ لَكَ.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ الذَّكي:
— حَسَنًا، أُوافِقُ، لَدَيَّ فِكرةٌ سَتُساعِدُنا، وَهي أَن نَبني مَنازِلَ مُنفَصِلَةً ونَعيشَ مُنفَردينَ، وَلا يَتَدَخَّلُ أَحَدُنا في شَأْنِ الآخَر.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّل:
— يُعجِبُني هذَا يا أَخي، اتَّفَقنا.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— اِنْتَظِر، لَم أُكمِل كَلامي بَعْد، سَنظلُّ مُتَجاوِرينَ لِنُساعدَ بَعضَنا إِذا حَدَثَت أيُّ مَشكِلَة.

وافقَ الإِخوةُ الثَّلاثةُ على رَأيِ الخَنزيرِ الثَّالثِ.
وفي اليَومِ التالي، اختاروا أَمَاكِنَ لِبِناءِ مَنازِلِهِم، وتَفَرَّقوا لِيَجمَعوا مَوادَّ البِناء.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ:
— بِنَاءُ مَنزِلٍ مِن القَشِّ سَيَكونُ موفِّرًا وأسهلَ في البِناء، وسأشتري سَريرًا مُريحًا بالنُّقودِ المُتبقِّية.

فَتَجَهَّزَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ وَتوجَّهَ إلى المَزارِعِ وقالَ له:
— يا مَزارعُ، اسمعْ، أُريدُ شِراءَ هذَا القَشَّ لِبِناءِ مَنزلي.

باعَ المَزارِعُ القَشَّ للخَنزيرِ الأَوَّلِ، وعادَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ سَعيدًا.

والخَنزيرُ الثَّاني قابَلَ حَطابًا في الطَّريقِ، فقالَ له:
— مَنزِلٌ مَصنوعٌ مِن الخَشَبِ سَيَكونُ رائِعًا ورَخيصًا، وسأشتري مَرتبَةً لَيِّنةً بالنُّقودِ المُتبقِّية.

فاشترى بَعضَ الخَشَبِ من الحَطابِ وعاد ليَبني مَنكَهُ.
أمَّا الخَنزيرُ الثَّالثُ، الأَكثرُ حِكمَةً، فَقَرَّرَ بِنَاءَ مَنزِلٍ أَقوى مِن الطوبِ ليَصمُدَ طويلاً، وقالَ لِنَفسِهِ:
— يُمكِنُني النَّومُ على الأَرضِ، ولكني سَأبنِي مَنزِلًا يَدومُ لِمُستقبلٍ آمِن.

ذَهَبَ إلى المَتجرِ لِشِراءِ الطوبِ والإِسمنتِ، وفي نِهايَةِ اليَومِ اجتمعوا عندَ مَوقِعِ البِناءِ وبدأوا في بِنَاءِ مَنازِلِهِم.

انتهى الخَنزيرُ الأَوَّلُ في الصَّباحِ، وقالَ مُتَباهِيًا:
— يا هَا أنا مِهندسٌ ذكيٌّ وَعَبدَقريٌّ، بَنيتُ مَنزلي أَسرعَ مِنْهُما، والآنَ سَأتناولُ الشاي في مَنزلي وأرتاح.

قالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— كَيفَ بَنَى مَنزلهُ سَريعًا؟ في المَساءِ سأَكونُ قَد انتهَيتُ مِنَ البِناءِ أَيضًا.

فَعملَ بِسُرعَةٍ أَكبَرَ وأنهى بَيتَهُ الخَشَبيَّ في المَساء.

وبَعدَ أَن انتهى الخَنزيرُ الثَّاني مِن بِنَاءِ المَنزِلِ قال:
— إنَّ مَنزلي المَصنوع مِن الخَشبِ سَيَكونُ أَقوى مِن مَنزِلِ القَشِّ، سآخُذُ قَيلولَةً آمِنةً فيه.

أمَّا الخَنزيرُ الثَّالثُ، وبرغمَ أنَّ أَخوَيه قد انتهَيا مِن بِنَاءِ المَنزِلَين، لَم يَهتمَّ ذلِكَ، كانَ لا يَزالُ يَبني قاعِدَةَ المَنزِلِ.

وفي الصَّباحِ، خَرَجَ إليهِ إخوَتُه ليَسخَروا مِنْه.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ:
— ماذا بِكَ يا أَخي؟ أتَجدُ صُعوبةً في بِنَاءِ مَنزِلِكَ؟ كانَ عَلَيك استِشارَتي أَوَّلًا.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— أنا أَبني المَنزِلَ الأَقوى لِيَصمُدَ أَمامَ كُلِّ الأجواءِ والمَصائبِ لِزَمنٍ طَويل.

قالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— أَتَعتَقِد أَنَّ مَنازِلَنا ضَعيفةٌ وَأنَّ مَنزِلَكَ هُوَ الأَقوى؟

تَجاهَلَ الخَنزيرُ الثَّالثُ تَعلِيقَاتِ أَخَويهِ وركَّزَ في عَملِه، يَبني طوبةً تِلْوَ الأُخرى، وانتهى مِن مَنزِلهِ بَعدَ أُسبوعٍ.

مَرَّت بُضعَةُ أَيَّامٍ وهُم سُعداءُ في مَنازِلِهِم الجَديدة، وفِي يَومٍ شاهَدَهُم الذِّئبُ، وقَرَّرَ أَن يأكُلَهُم.

فذهبَ الذِّئبُ إلى الخَنزيرِ الأَوَّلِ وطرَقَ البابَ، وقالَ له:
— أيُّها الخَنزيرُ، دَعني أَدخُل.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ:
— لا، لا، لَن أَفعَلَ حتَّى لو كانَ آخِرَ يومٍ في عُمري.

قالَ الذِّئبُ:
— إِذًا سَأنفُخُ وأنفُخُ وسَأَهدِمُ مَنزِلَكَ.

قالَ الخَنزيرُ:
— مَنزلي هُوَ الأَقوى على الإِطلاق، افعَل ما تَشاء.

مَلأَ الذِّئبُ رِئتيهِ بالهَواءِ ونَفَخَ على مَنزِلِ الخَنزيرِ الصَّغيرِ، وطَارَ كُلُّ شَيءٍ بَعيدًا، وكَذلك طارَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ وتَدحرَجَ إلى مَنزِلِ الخَنزيرِ الثَّاني.

دَخلَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ إلى مَنزِلِ الخَنزيرِ الثَّاني سَريعًا، فقالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— ماذا حَدَثَ؟ ولماذا تَدحرَجتَ إلى مَنزلي؟

اِختبأَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ تحتَ المائِدَةِ، وصرَخَ قائلاً:
— أَغلِقِ البابَ، أَغلِقِ البابَ، فَهناكَ ذِئبٌ شَرسٌ سَيَلتَهمُنا، وقد جاءَ ليَصطادَنا!

جَرَى الخَنزيرُ الثَّاني إلى البابِ وأغلَقهُ جَيِّدًا، وأقفَلَ جَميعَ الأقفال.

وبَعدَ قليلٍ، وصَلَ الذِّئبُ إلى البابِ وأخذَ يَضرِبُهُ بعُنفٍ ويقولُ:
— أيُّها الخَنزيرُ، أَنتَ، أَيُّها الخَنزيرُ، دَعني أَدخُل!

قالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— لا، لا، لا، لَن أَفعَلَ حتَّى لو كانَ آخِرَ يومٍ في عُمري.

قالَ الذِّئبُ:
— إِذًا سَأنفُخُ وأنفُخُ وسَأَهدِمُ مَنزِلَكَ.

قالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— مَنزلي هُوَ الأَقوى على الإِطلاق، جَرِّب هذاَ يا أَيُّها البَشِع.

مَلأَ الذِّئبُ رِئتيهِ بالهَواءِ ونَفَخَ على مَنزِلِ الخَنزيرِ الصَّغيرِ، فَطارَ كُلُّ شَيءٍ بَعيدًا.

حينئذٍ أَدركَ الخَنزيرانِ أنَّ المَنزِلَ بلا سَقْفٍ وبلا أَيِّ جُدران، فَجَرَيا لإنقاذِ حياتِهِما ودَخَلا مَنزِلَ الخَنزيرِ الثَّالثِ.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— ماذا حَدَثَ لكُما؟ ولماذا تَرتعِدانِ مِنَ الخَوف؟

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ:
— لقد حَطَّمَ الذِّئبُ الشِّرِّيرُ مَنزلي ومَنزِلَ أَخينا الثَّاني، وقد يَأتي وَيَحطِّمُ مَنزِلَكَ أَيضًا.

قالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— هَيّا نَجري وَنَعودُ إلى أُمِّنا.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— لا يُمكِنُهُ أَن يَنفُخَ طوبةً وَاحِدةً، سَأُلْقِنُهُ دَرسًا، دَعوَهُ يَأتي.

أَخوَاي، اِختبِئا فَوقَ الرَّف، وَلا تَنزِلا أَبَدًا حَتَّى إِذا دَخَلَ وأَكلَنِي.

تَسلَّقَ الخَنزيرانِ إلى الرَّفِّ، بَعدها وصَلَ الذِّئبُ إلى البابِ وأخذَ يَضرِبُه ويَدفَعُه بقُوَّةٍ.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— اِهرب أيُّها الذِّئبُ الشِّرِّير، فلَن تَستَطيعَ اقتحامَ مَنزلي.

قالَ الذِّئبُ:
— أَنتَ لا تَعلَمُ مَدى قُوَّتي، سَأنفُخُ وأنفُخُ وسَأَهدِمُ مَنزِلَكَ كما فَعَلتُ مع أَخوَيك.

قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— فَلتَجرِب حَظَّكَ، سَتَخسَرُ أَنفاسَكَ، ولن تَنجَح أَبَدًا.

مَلأَ الذِّئبُ رِئتيهِ بالهَواءِ ونَفَخَ على مَنزِلِ الخَنزيرِ الثَّالثِ، ولكنَّ المَنزِلَ ظَلَّ كما هُوَ.

مَلأَ رِئتيهِ بِهَواءٍ أَكثَرَ، وجَرَّبَ ثانِيَةً، ولكنَّهُ لَم يُحرِّك طوبةً واحِدةً.

بَعدَ مُحاولاتٍ عَديدةٍ، فَقَدَ الذِّئبُ أَنفاسَهُ وسَقَطَ على الأَرض.

لكنهُ وَقَفَ الثَّانِيَةَ وَرَجَعَ إلى الوراءِ، وبدأَ في الجَري من بَعيدٍ ليَحطِمَ البابَ.

رَأى الإِخوَةُ ذلِكَ مِن النافِذَةِ، فَنَزَلوا بِسُرعَةٍ، ودَفَعوا مَعًا البابَ بِظهورِهِم، وَاندَفعَ الذِّئبُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ، وضَرَبَ بِكتِفِهِ البابَ، لكنَّهُ سَقَطَ على الأَرضِ، وَلَم يَستَطع اقتحامَ المَنزِل.

بَعدها فَتَحَ الخَنزيرُ الثَّالثُ البابَ بِبُطءٍ، فَرَأى الذِّئبَ مَمدَدًا على الأَرضِ، ثُمَّ أَغلَقَ البابَ مَرَّةً أُخرى، وقالَ لأَخوَتِهِ:
— لقد سَقَطَ الذِّئبُ، وَلَم يُنجِح في تَحطيمِ مَنزلي.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ:
— كُنَّا سَنُصبِحُ في مَعِدَةِ الذِّئبِ إذا لَم تُحمِنا في مَنزلك.

وقالَ الخَنزيرُ الثَّاني:
— نَعم يا أَخي، قد أَنجَيتَ حَياتَنا.

حينئذٍ قالَ الخَنزيرُ الثَّالثُ:
— يا أَخوَيَّ، كانَ مِنَ المُحتَمَلِ أَن يأكُلَني إذا لَم تَكونا مَعي، لقد سَدَّدنا مَعًا البابَ، ولهذا لَم يَنجَح.

قالَ الخَنزيرُ الأَوَّلُ:
— نَعم يا أَخي، لَقَد أَثبَت خطأي، فَقُوَّتُنا في وَحْدَتِنا، والآنَ فَلنَعيش كُلُّنا مَعًا، وَلا نَفترِق أَبَدًا.

وفَجأةً أَفاقَ الذِّئبُ، وبدأَ في طَرقِ البابِ، ويَصيحُ قائلاً:
— سأعودُ وأنتقِمُ مِنكُم!

لكن الخَنازيرَ كانت على استعدادٍ، فَحَمَت مَنازِلَهُم بِحِصُونٍ وَأبوابٍ حَديدِيَّةٍ، وعاشوا في سَلامٍ وأَمانٍ.

Post a Comment

أحدث أقدم