طائرِ اللَّقلَقِ



في قَديمِ الزَّمانِ، عاشَ طائرُ اللَّقلَقِ على جانبِ بحيرةٍ جميلةٍ، وكان يعتادُ أن يصطادَ السمكَ من نفسِ البحيرةِ. كانت الأسماكُ تكرَهُهُ، لأنَّهُ يأكلُها، لكنَّهُ كان يحبُّ السمكَ كثيرًا، لأنَّ طعمَهُ لذيذٌ جدًا.

كانَ يَصطادُ حتى يشبَعَ، ويستمتعُ بالصيدِ قبلَ أن يأكلَ. لكن مع مرورِ الزمنِ، بدأَ يتقدَّمُ في السنِّ ويضعفُ، فلم يعدْ كما كان، أصبحَ يطيرُ أبطأ، ويشعرُ بالإجهادِ أسرعَ.

وعندما بدأَ في الصيدِ، كانت الأسماكُ تهربُ منهُ، لأنهُ كان ينزلقُ على الحافة، وأصبح جسدُهُ يؤلمه بشدّةٍ.

وفي يومٍ من الأيامِ، كانت سمكةٌ تسبحُ باتجاهِ مكانِ صيدِ اللَّقلقِ، فقالت لها سمكةٌ أخرى:
— لا تذهبي إلى هناك، فاللَّقلقُ سيأكلُك!

فردَّتْ السمكةُ بشجاعةٍ:
— لا تقلقي، لم يستطع اصطيادي منذ أسبوعين، أنا أثيرُ غضبه، لكنه لا يستطيعُ الحركة، وقبل أن يتمكن من الإمساك بي سأهربُ بسرعةٍ. سأريك الآن!

وعندما رأى اللَّقلقُ السمكةَ قال:
— طعامٌ سوف أمسكه!

لكنهُ انزلقَ وسقطَ في الماءِ، وعادت السمكةُ إلى أصدقائها، وقالت للسمكةِ التي كانت قلقةً:
— أترين؟ لم يعد علينا أن نخافَ منه!

أصبح اللَّقلقُ ضعيفًا مع مرورِ الزمنِ، ولم يعد يستطيعُ الإمساكَ بطعامِه، والسمكُ يسبحُ حولَه ولا يستطيعُ الاقترابَ منه.

وكان اللَّقلقُ السمحُ يقولُ في البحيرةِ:
— لقد أصبحتُ عجوزًا، كيفَ أُصطادُ طعامي؟ أنا جائعٌ بشدّةٍ منذ يومين!

وفي يومٍ كان يتضورُ جوعًا، فلم يتناول طعامًا لعدةِ أيام، ولِيُسدَّ جوعَهُ دون الوقوعِ في مشكلةٍ، قرَّرَ وضعَ خطةٍ.

وقال اللَّقلقُ:
— أعلمُ ما عليَّ فعله!

كجزءٍ من خطته، جلسَ على جانبِ البحيرةِ، والحزنُ يملأُ وجهَه، ولم يحاولْ صيدَ السمكِ.

السمكُ والضفادعُ والسلطعونُ تعجبوا من تصرفهِ، فقالت سمكةٌ لأخرى:
— ياه! إنه حزينٌ، ربما لأنه جائعٌ.

فقالت السمكةُ الأخرى:
— هل سيموتُ؟

اقتربَ سلطعونٌ ضخمٌ من اللَّقلقِ وقال له:
— مرحبًا، ما الأمر؟ تبدو حزينًا.

فأجابَ اللَّقلقُ:
— للأسفِ، هناك خبرٌ سيئٌ يخصُّ البحيرةَ.

فقال السلطعونُ:
— سيئٌ كيف؟ أخبرني!

لكنَّ اللَّقلقَ تردد، ثم قال:
— حسنًا، بما أنك تصر، فأنا قلقٌ لأنَّ السمكَ سيختفي من البحيرةِ قريبًا، والسمكُ هو مصدرُ طعامي الرئيسي.

تعجب السلطعونُ:
— سيختفي السمك؟ كيفَ ولماذا؟

قال اللَّقلقُ:
— سمعتُ أنَّ البشرَ سيملأون البحيرةَ بالطينِ، وسيزرعون مكانها النباتات.

قال السلطعونُ:
— لا أصدق! هذا أمرٌ رهيبٌ جدًا!

وعندما أخبر السلطعونُ السمكَ والضفادعَ عن هذا الخبرِ، قال الجميعُ:
— أوه، هذا فظيعٌ جدًا! ماذا سنفعلُ؟

انتشرَ الفزعُ في البحيرةِ، فقال السلطعونُ:
— والآن، كيف سنتصرفُ في هذا؟

قالت سمكةٌ:
— يمكنكَ أن تعيشَ على الأرض، ونحن لا، لن ننجو.

فكر اللَّقلقُ لنفسه:
— لقد انتشرَ الفزعُ!

لكنَّهُ قال لهم:
— لا، هناك حلٌّ لهذا.

قالت سمكةٌ بدهشةٍ:
— حقًا؟

قال اللَّقلقُ:
— أجل، أعلم مكانَ بحيرةٍ قريبةٍ، ستكونون بأمانٍ فيها. لو كنتم مهتمين، يمكنني نقلُ بعضِكم يوميًا حتى لا تموتوا.

فقال الجميعُ:
— أرجوك ساعدنا! أرجوك!

طلب أهلُ البحيرةِ من اللَّقلقِ أن يساعدهم، فقال اللَّقلقُ:
— لكن لدي شروط.

قال الجميعُ:
— ما هي؟

قال اللَّقلقُ:
— سأحتاجُ إلى الراحةِ بشكل متكررٍ بسببِ عمري، وسأحملُ عددًا قليلاً منكم فقط، لا أكثر.

فوافق الجميعُ.

كانوا مستعدينَ للذهابِ مع اللَّقلقِ وبشروطه، وفي أولِ رحلةٍ، أخذ اللَّقلقُ القليلَ من السمكِ في منقاره، ولكن بدلًا من أخذه إلى بحيرةٍ أخرى، أخذهم إلى تلٍّ قريبٍ وأكلهم.

وقال اللَّقلقُ حينها:
— أخيرًا لم أعد أشعرُ بالجوع!

وبعد أن ارتاح لبعضِ الوقت، وبدأ يشعرُ بالجوع، بدأ الرحلةَ الثانية، وهكذا كان يحصلُ على السمكِ باستمرارٍ دون بذلِ جهدٍ.

وبعد عدةِ أيامٍ، استعاد صحته وأصبح قويًا، وجاء إليه السلطعونُ وقال:
— أرجوك خذني معك إلى البحيرة.

فقال اللَّقلقُ في سره:
— وقتٌ مناسبٌ لتجربةِ طعامٍ جديد.

وقال للسلطعونِ الضخمِ:
— حسنًا، سأخذك في الرحلة القادمة.

وفي الرحلةِ القادمة، وبعد أن طار قليلًا، قال السلطعونُ:
— كم نبعدُ عن البحيرةِ الأخرى؟

وجد اللَّقلقُ أن السلطعونَ ساذجٌ ولن يعرفَ أبدًا خطته الشريرة، فقال له:
— يا أحمقُ، هل تظنني خادمك؟ لا توجد بحيرةٌ أخرى، وضعت هذه الخطةَ حتى أتمكنَ من أكلكم، والآن استعد، لأنك ستكون في معدتي!

أدرك السلطعونُ خطةَ اللَّقلقِ الشريرة، وقال:
— لن تكون هذه نهايتي أيها الأناني!

وبعد أن استجمع السلطعونُ قوته، أطبق مخالبه على رقبة اللَّقلقِ، فقال اللَّقلقُ:
— آه! هذا مؤلم!

فقال السلطعونُ:
— وسوف تؤلمك أكثر الآن!

وسقط اللَّقلقُ من ارتفاعٍ عظيمٍ، وللأسف فقد حياته، وتمكن السلطعونُ من العودةِ إلى البحيرة، وحكى كلَّ ما حدثَ لأهل البحيرة جميعًا.

وشكروه على مجهوده العظيم، فقالت سمكةٌ:
— أنت ذكيٌّ جدًا.

فقال السلطعونُ:
— لا، لقد انتصرتُ عليه لأنه جشعٌ، وليس بسبب ذكائي.


حِكمةُ القصة:
تذكّروا دائمًا أنَّ الجشعَ مضرٌّ، والخططَ الشريرةَ لن تدومَ أبدًا. ومهما كنت ذكيًا، سيأتي يومٌ تخطئُ فيه، ولو كنت شريرًا ستكون نهاية شركك. فلا تكن شريرًا يا صديقي.

Post a Comment

أحدث أقدم