العجوز الطماعة



في زمنٍ بعيد، وسط قرية صغيرة تحيط بها الجبال، كانت تعيش امرأة عجوز تُعرف بين أهل القرية ببخلها الشديد. بيتها كان واسعًا، ومخزنها مليئًا بالمؤونة، لكنها كانت تغلق أبوابها في وجه أي ضيف أو محتاج، حتى العصافير كانت تخشى أن تقترب من نافذتها!

وذات يوم، جاء إلى بيتها رجلٌ مسنٌّ، له لحية بيضاء طويلة وعينان لامعتان تنبع منهما الحكمة. طرق الباب بلطف، وقبل أن تُغلقه في وجهه، قال بابتسامة دافئة: "السلام عليكم، هل لك أن تعطيني كسرة خبز؟"

ترددت العجوز قليلًا، ثم دخلت وأحضرت له قطعة خبز قديمة، كانت جافة وصلبة، تكاد تتفتت إن لمستها. نظر إليها الرجل، وابتسم بخفة، وقال: "لو أعطيتني طعامًا حقيقيًا، لعلمتك كيف تصنعين طعامًا لذيذًا من الحجارة!"

توقفت العجوز، وعيناها لمعتا بالطمع: "طعام من الحجارة؟ كيف ذلك؟" قال لها الرجل: "أحضري لي بعض البيض، والسمن، وقطعة خبز طازجة، وسأريك السر!"

لم تنتظر كثيرًا، وأسرعت تُحضر ما طلبه الرجل. جلس الرجل الحكيم، ووضع الحجارة في إناء، ثم بدأ بتحضير الطعام بعناية، يمزج ويقلب، بينما العجوز تراقبه بعينين فضوليتين.

وعندما انتهى، جلس يأكل بشهية... وكان ينتقي الحصى من الطبق ويبعدها جانبًا.

سألته العجوز: "لم لا تأكل هذه الحجارة؟ أليست ما صنعت الطعام منها؟"

ابتسم الرجل وقال: "جربي بنفسك، قد يعجبك الطعم!"

دون تفكير، اختارت العجوز واحدة من الحجارة، وضعتها في فمها وبدأت تقضمها... وإذا بصوتٍ عالٍ يُسمع! فقد انكسر سنّها الوحيد، ذلك السن الذي كانت تعتبره كنزها الغالي!

نظر إليها الرجل الحكيم، وقال بهدوء: "وهذا جزاء الطمع... من يبخل، يخسر حتى ما يملك."

جلست العجوز حزينة، وندمت على تصرفها، وتعلّمت درسًا مهمًا: الطمع لا يجلب سوى الألم، أما الكرم فمحبةٌ تدوم.

Post a Comment

أحدث أقدم