في أحد أيام السوق المزدحمة، جلس شيخٌ كبير، ذو لحية بيضاء طويلة تمتد حتى صدره، أمام دكّان صغير يتأمل الناس بهدوء. كان الرجل مشهورًا في الحي بالحكمة والوقار، يتحدث قليلًا، ويستمع كثيرًا.
مرّ شابٌ ثرثارٌ، لا يكاد يسكت، يُحب طرح الأسئلة الغريبة ومزاح الآخرين. لمح الشيخ، فتوجه إليه بخفة وقال: "السلام عليكم يا عم... هل تسمح لي بسؤال؟" أجاب الشيخ بلطف: "تفضّل يا بني، ما سؤالك؟"
ابتسم الشاب وقال بخبث: "عندما تنام يا عمّاه... هل تضع ذقنك الطويلة فوق اللحاف أم تحته؟"
سكت العجوز لحظة، وبدا عليه التفكير. لم يكن خطر بباله هذا السؤال من قبل! وبهدوء قال: "لم ألاحظ ذلك من قبل، سأراقب الليلة كيف أنام، وأخبرك غدًا."
وبالفعل، جاء الليل، لكن الشيخ لم ينم! كلما حاول وضع ذقنه فوق اللحاف، أحس أنها تخنقه، وإن وضعها تحت اللحاف، شعر وكأنه مشنوق! قضى الليل كله وهو يتقلب، يحاول أن يجد الوضع المناسب. مرت الساعات دون نوم، وكأن السؤال قد سكن رأسه وأقلقه بشدة.
وعند بزوغ الصباح، خرج الشيخ غاضبًا يبحث عن الشاب في السوق. فلما رآه، صاح به: "أربعون عامًا وأنا أعيش بسلام، لا أشعر بثقل ذقني لا في نوم ولا طعام ولا شراب... لكن سؤالك أفسد عليّ نومي، جعلني أفكر، وأتقلب، ولم أذق الراحة! إن وضعتها فوق اللحاف شعرت وكأنني مشنوق، وإن تحت اللحاف أحسست بالاختناق. اذهب يا بني، ولا تُثرثر بسؤالك هذا على أحد!"
ضحك بعض المارة، واستغرب آخرون... لكنّ الشيخ تعلم درسًا مهمًا: ليس كل سؤال يستحق التفكير الطويل، وبعض المزاح قد يكون مزعجًا أكثر من كونه مضحكًا!
إرسال تعليق