الصديق المخلص



في قلب صحراء واسعة، كانت الرمال الذهبية تمتد بلا نهاية، تحت شمسٍ ساطعة لا تعرف الرحمة. وبين كثبانها، كان يسير صديقان منذ زمن، يتشاركان الطريق والكلمات والذكريات.

وأثناء سيرهما، نشب بينهما شجار مفاجئ. ارتفعت الأصوات، ثم فجأة، صفع أحدهما الآخر على وجهه! ساد الصمت، ولم يُكمل أي منهما الحديث. شعر الصديق الذي تلقّى الصفعة بألمٍ في قلبه أكثر مما في وجهه… لكنه لم يغضب، بل نظر إلى الأرض، واقترب من الرمل وكتب بأصابعه الصغيرة: "اليوم قام صديقي المقرب بصفعي على وجهي."

وأكملا السير وسط الصحراء، بصمتٍ ثقيل، إلى أن ظهرت أمامهما واحة جميلة في الأفق، مليئة بالنخل وظلال الأشجار. قرر الصديقان أن يستحما في مياهها العذبة، ليرطبا جسديهما من حرارة الشمس.

لكن بينما كانا يسبحان، انزلقت قدم الصديق الذي تعرض للصفعة، وسقط في مستنقعٍ مليء بالوحل. صرخ يستنجد، وغاص أكثر وأكثر، حتى كاد أن يُفقد! وفي لحظة شجاعة، قفز صديقه إليه، ومد له يده، وسحبه بقوة من وسط الطين.

جلسا معًا على الأرض، يتنفسان بصعوبة، ويتأملان الواحة التي أنقذته. ثم نهض الصديق الذي كاد يغرق، وسار نحو صخرة كبيرة، وأخذ ينحت عليها بقطعة حجر: "اليوم صديقي المقرب أنقذ حياتي."

سأله صديقه بدهشة: "لماذا كتبت الصفعة على الرمال، والإنقاذ على الصخر؟"

ابتسم الصديق وقال: "عندما يؤذينا شخص نحبه، علينا أن نكتب ذلك على الرمال، ليأتي النسيان ويزيله… أما عندما يفعل لنا معروفًا، علينا أن نحفره في الصخر حتى لا ننساه أبدًا."

ومنذ ذلك اليوم، تعلّما أن الصداقة الحقيقية لا تُقاس باللحظات الجيدة فقط، بل بالصفح والتسامح، وبالقدرة على الاحتفاظ بالأفعال الطيبة في القلب 💛

Post a Comment

أحدث أقدم