العُصفورُ والفِيلُ و الثَعْلَبُ
في غابةٍ بعيدةٍ مَلِيئَةٍ بالأشجارِ الكَبِيرَةِ والجَمِيلَةِ، والحَيَوَانَاتِ الكَثِيرَةِ والمُتَنَوِّعَةِ، عاشَ عُصفُورٌ صَغِيرٌ مَعَ أُمِّهِ وَإِخوَتِهِ في عُشٍّ صَغِيرٍ مَبنيٍّ عَلَى قِمَمِ إِحدَى الأشجَارِ العَالِيَةِ.
وفي أَحَدِ الأَيَّامِ، ذَهَبَتِ العُصفُورَةُ الأُمُّ لِلبَحثِ عَن طَعَامٍ لِأَبنَائِهَا الصِّغَارِ الَّذِينَ لا يَستَطِيعُونَ الطَّيَرَانَ. وخِلَالَ غِيَابِهَا، هَبَّت رِيحٌ شَدِيدَةٌ هَزَّتِ العُشَّ، فَوَقَعَ العُصفُورُ الصَّغِيرُ عَلَى الأَرضِ.
لَم يَكُن قَد تَعَلَّمَ الطَّيَرَانَ بَعدُ، فَبَقِيَ فِي مَكَانِهِ خَائِفًا يَنتَظِرُ عَودَةَ أُمِّهِ. وَفِي تِلكَ الأَثنَاءِ، مَرَّ فِيلٌ طَيِّبٌ يَتَمَشَّى فِي الغَابَةِ بِمَرَحٍ، وَيَضْرِبُ الأَرضَ بِأَقدَامِهِ الكَبِيرَةِ، وَيُغَنِّي بِصَوتٍ عَالٍ.
شَعَرَ العُصفُورُ بِالفَزَعِ، وَأَخَذَ يُحَاوِلُ الِاختِبَاءَ، وَلَكِنَّ الفِيلَ رآهُ، فَقَالَ لَهُ:
ـ "أَأَنتَ بِخَيرٍ أَيُّهَا العُصفُورُ الصَّغِيرُ الجَمِيلُ؟ هَل سَقَطتَ مِنَ الشَّجرَةِ؟"
لَم يَستَطِعِ العُصفُورُ الرَّدَّ مِن شِدَّةِ الخَوفِ، وَكَانَ يَرتَعِدُ بَشِدَّةٍ، فَحَزِنَ الفِيلُ، وَقَرَّرَ إِحضَارَ بَعضِ أَورَاقِ الأَشجَارِ لِيَضَعَهَا حَولَهُ كَي يُدَفِّئَهُ.
ثُمَّ حَضَرَ ثَعلَبٌ مَكَّارٌ، وَرَآى الفِيلَ يُحَاوِرُ العُصفُورَ، وَيَبتَعِدُ لِجَلبِ الأَورَاقِ. فَاقتَرَبَ الثَّعلَبُ مِن العُصفُورِ وَسَأَلَهُ:
ـ "لِمَاذَا أَنتَ هُنَا عَلَى الأَرضِ أَيُّهَا العُصفُورُ الصَّغِيرُ؟"
فَأَخبَرَهُ العُصفُورُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِن عُشِّهِ، فَقَالَ الثَّعلَبُ بِمَكرٍ:
ـ "إِنِّي أَعرِفُ مَكَانَ عُشِّكَ وَسَأُعِيدُكَ إِلَيهِ، وَلَكِن عَلَيكَ أَولًا أَن تَتَخَلَّصَ مِن هَذَا الفِيلِ، فَهُو شِرِّيرٌ وَيُرِيدُ أَذِيَّتَكَ!"
فِي تِلكَ اللَّحظَةِ، عَادَ الفِيلُ بِالأَورَاقِ، فَاخْتَبَأَ الثَّعلَبُ خَلفَ الأَشجَارِ. وَضَعَ الفِيلُ الأَورَاقَ حَولَ العُصفُورِ، الَّذِي شَعَرَ بِالدِّفءِ، ثُمَّ قَالَ:
ـ "أَيُّهَا الفِيلُ الطَّيِّبُ، أَشعُرُ بِالجُوعِ، هَل تَستَطِيعُ أَن تَحضُرَ لِي بَعضَ الطَّعَامِ؟"
قَالَ الفِيلُ:
ـ "بِالتَّأكِيدِ، سَأُحضِرُ لَكَ بَعضَ الحُبُوبِ. وَلَكِن لَا تَتحَرَّكْ حَتَّى أَعودَ، وَكُن حَذِرًا."
مَا إِن غَادَرَ الفِيلُ، حَتَّى عَادَ الثَّعلَبُ وَقَالَ:
ـ "هَيَّا نَذهَبْ أَيُّهَا العُصفُورُ، سَأُعِيدُكَ إِلَى عُشِّكَ."
فَحَمَلَهُ وَابتَعَدَ، وَفَجأَةً تَغَيَّرَت مَلامِحُ الثَّعلَبِ، وَرَمَاهُ عَلَى الأَرضِ، وَهَجَمَ عَلَيهِ لِيَفتَرِسَهُ.
صَرَخَ العُصفُورُ:
ـ "أَنقِذُونِي! أَرجُوكُم أَنقِذُونِي!"
سَمِعَ الفِيلُ الصُّرَاخَ، فَعَادَ مُسرِعًا، وَرَأَى الثَّعلَبَ يُحَاوِلُ أَكلَ العُصفُورِ. فَرَكَضَ وَضَرَبَ الثَّعلَبَ، فَهَرَبَ الثَّعلَبُ مُبتَعِدًا.
حَمَلَ الفِيلُ العُصفُورَ وَقَالَ:
ـ "أَلَم أُخْبِركَ أَلَّا تَبتَعِدَ أَيُّهَا العُصفُورُ؟"
فَاعتَرَفَ العُصفُورُ قَائِلًا:
ـ "فِي الحَقِيقَةِ، كُنتُ خَائِفًا مِنكَ، فَأَنتَ كَبِيرٌ وَضَخمٌ، وَأَنَا صَغِيرٌ جِدًّا."
فَقَالَ الفِيلُ بِحُزنٍ:
ـ "أَيُّهَا العُصفُور، لَا تَحكُم عَلَى أَحَدٍ مِن شَكلِهِ أَو حَجْمِهِ، بَل بِأَفعَالِهِ."
ثُمَّ أَخذَ الفِيلُ العُصفُورَ، وَأَعَادَهُ إِلَى عُشِّهِ، حَيثُ كَانَت أُمُّهُ تَبحَثُ عَنهُ بِقَلقٍ، فَفَرِحَت عِندَ رُؤيَتِهِ، وَشَكَرَتِ الفِيلَ عَلَى مَسَاعَدَتِهِ.
إرسال تعليق