في أعالي الجبال، كانت هناك قرية صغيرة تحيط بها الأشجار من كل جانب، خضراء مثل الزمرد، وتغنيها الطيور كل صباح بألحان الفرح. وكانت الأمطار تهطل بغزارة، فتملأ العيون والآبار، وتفيض الجداول بالماء العذب.
كان أهل القرية يعتمدون على قطع الأشجار وبيع أخشابها للنجارين في المدينة، الذين يصنعون منها أسرّة جميلة ومقاعد متينة. وبمرور السنين، صاروا يقطعون الشجرة تلو الأخرى، فرحت الغابة تُصبح أصغر، واختفى لونها الأخضر شيئًا فشيئًا.
تغير كل شيء... لم تعد السماء تمطر كثيرًا، وجفّت العيون، وذبلت الأعشاب، وصارت الأرض حزينة. اجتمع سكان القرية بقلق، وتناقشوا حول مصيرهم. قرروا أن يتركوا قريتهم ويبحثوا عن مكان آخر فيه ماء وفير وغابات جديدة.
وأثناء تحضيراتهم للرحيل، ظهر رجل عجوز يحمل عصاه ويمشي بخطوات هادئة. سألهم: "إلى أين أنتم ذاهبون؟" أجابه أحد الرجال: "لم يبق ماء، ولا شجر، لا نستطيع العيش هنا."
نظر العجوز إليهم وقال بصوت حكيم: "وهل ستكفون عن قطع الأشجار في مكانكم الجديد؟" صمت الجميع، ثم قال الرجل: "ولكننا نحتاج الخشب لنعيش، ماذا نفعل؟"
ابتسم العجوز وقال: "هل تعلمون أن الأشجار تجلب المطر؟ حين قطعت الأشجار، جف المطر، وذبل كل شيء." ثم تابع بهدوء: "الحل بسيط... ازرعوا بدل كل شجرة تقطعونها ثلاث شجرات."
نظر أهل القرية إلى بعضهم، وكأن نورًا جديدًا أضاء في قلوبهم. وافقوا جميعًا على كلام العجوز، وتوقفوا عن الرحيل. بدأوا في زراعة الأشجار، ثلاثًا مقابل كل واحدة قطعوها. ومرت الأيام...
وكما وعدهم العجوز، عادت الغابة تكبر، وغنّى النسيم بين الأغصان، وهطل المطر من جديد، وامتلأت العيون، وعادت الخضرة تبتسم حول القرية. وتعلم الجميع درسًا مهمًا: أن في كل شجرة حياة، وأن العطاء لا يضيع إذا كان من القلب.
إرسال تعليق