في صباحٍ مشمسٍ فوق غابةٍ شاهقةٍ الأشجار، استيقظ سربٌ من الطيور الملونة بفرحٍ ونشاط. تردّد صوت تغريدها في الأركان، مترافقًا مع نسيمٍ عليلٍ يحمل رائحة الندى. أحست كل طائرٍ بأهمية اليوم، فقد قرر الجميع بناء عشٍ مشتركٍ يحميهم من عواصف الشتاء المقبلة.



اجتمعت الطيور عند غصنٍ منخفضٍ، فوزّعَت الأدوارَ بحكمة: جلبَت ببغاءٌ صغيرٌ قصاصات القش الرقيقة، بينما حمل الفنّار الأغصان الملساء، وساهم الصقر القوي بفروعٍ سميكةٍ لتعزيز الأساس. كان التعاون واضحًا في كل حركة؛ عيونهم تلمع حماسةً وأجنحتهم لا تكاد تهدأ حتى امتلأت مناقلهم بما جمعوه.

مع مرور الساعات، أخذ العش يتكوّن تدريجيًا. أضافت العصافير لمساتها من القطن لتبطين الداخل، ورتّبته العقبان بكفاءةٍ ليكون واسعًا ودافئًا. حين انتهت الطيور من عملها، وقف الجميع متأملين ثمرة جهدهم: عشٌ متينٌ يجمع بين النعومة والقوّة، يشبه حصنًا صغيرًا في وسط الغابة.



وفي أول عاصفةٍ مفاجئة، هبت رياحٌ عاتيةٌ مصحوبةٍ بأمطارٍ غزيرةٍ. ارتجّت أغصان الأشجار، وتناثر المطر مُشكّلاً طبقة ماءٍ على الأوراق. لكن العش لم يبرح مكانه، بل صمد ببراعة وعانق ساكنيه بدفءٍ وحمايةٍ، بينما همس الصوت الغاضب للرياح بإنجازٍ أكبر: إنّ التعاون يصنع المستحيل.



تعلمت الطيور دروسًا عظيمة من تجربتها المشتركة. أيقنت أنّ كلٍّ منها، مهما كان حجمه أو نوعه، يحمل قطعةً من البناء، وأنّ الاتحاد لا يُهزم. بهذا الإدراك، عاشت الطيور سعيدةً في عشها الجديد، جاهزةً لخوض مواسم الغيوم والعواصف بقلبٍ واحدٍ وروحٍ واحدة.

Post a Comment

أحدث أقدم