في صباحٍ هادئ، استيقظت الغابة الخضراء على تغريد العصافير وأنفاس النباتات الرطبة. كان وِداد، العصفور الصغير، يفتح عينَيه الصغيرتين بشغفٍ لاستكشاف العالم من بين الأغصان. تلوّنت أوراق الشجر بضوء الشمس الذهبي، فأمعن النظر في الأفق، حالمًا بالطيران عاليًا.

كبر شغف وِداد كل يوم، وترنم بأحلى الألحان عندما يرفرف بجناحيه. كانت والدته، بعطفها الدافئ، تحذّره دائمًا: “اصبر يا وِداد، اجمع قوتك أولًا قبل الانطلاق بعيدًا.” لكن قلبه الصغير اندفع نحو السماء الزرقاء.

في صباحٍ آخر، وقفز وِداد من غصنه متأملًا مسافة الأفق دون أن ينتبه إلى ضعف جناحيه. فما هي إلا لحظات حتى اختل توازنه، وانزلقت قدماه في الهواء، فسقط بقوة على جذع شجرة صغيرة. تألم وِداد عندما شعر بألمٍ حارق في جناحه الأيمن.

جلس العصفور الصغير على الأرض، والدموع تنهمر من عينيه الخضراوين. تملك الخوف قلبه، وخيّم الحزن عليه لأنه لم يستمع إلى نصيحة والدته. لم يعرف كيف يستدير أو يرفرف من جديد، فبقي وحيدًا بين أوراق الشجر المتساقطة.

بينما كان يبكي في صمت، اقترب منه سنجابٌ صغيرٌ لطيف يُدعى نور. أمسك نور بيديه الرقيقتين بعشبٍ ناعم، وصنع منها وسادة لحماية جناحه المجروح. ثم انطلق يجري نحو البومة الحكيمة طلبًا للدعم والعلاج.

وصل نور مع البومة العجوز إلى وِداد، فرفعت البومة جناحه برفق وربطته بأعشابٍ طبية تحمل عبق الغابة. همست له بلطف: “كلُّ جرحٍ يعلمنا درسًا، والصبر مفتاح الشفاء.” شعر وِداد بالاطمئنان يغمر قلبه.

خلال أيام الراحة، كان نور يزور وِداد ويحضر له المكسرات الحلوة وحبوب الشمس. وزارته البومة كل مساء لتطمئن على جناحه، فتروي له حكايات الصبر والقوة. نما وِداد رويدًا رويدًا، وعادت ابتسامته الصغيرة تشرق بين ريشه.

عندما شُفي جناح وِداد تمامًا، وقف على غصنٍ منخفض، ورفرف بحذر وببطء. ومع أول خفقةٍ ناجحة، انطلق في حلقٍ ناعمٍ نحو عشه، حيث احتضنته والدته بحنانٍ عظيم. عرف حينها أن الحكمة والصداقة هما الأجنحة الحقيقية التي تساعدنا على التحليق.

Post a Comment

أحدث أقدم