سرُّ الفلاح الحكيم

 


في مدينةٍ عظيمةٍ حَكمها ملكٌ عادلٌ ذو هيبة، قرّر ذات يومٍ أن يُقيم مسجدًا فخمًا ليجتمع فيه الناس للصلاة والطمأنينة. بُني المسجد بحجارةٍ مصقولةٍ وقبابٍ ذهبيةٍ تلمع تحت الشمس... لكنه ظلَّ شبه خاوٍ.

استغرب الملك قلة المصلّين، فأمر شيخ المسجد أن يذكّر الناس بأهمية الصلاة، وأن يدعوهم بلُطفٍ ورفقٍ. تحدث الشيخ كثيرًا، وأوضح أن الصلاة في المسجد تعادل سبعًا وعشرين ضعفًا من الصلاة في البيوت. ولكن الناس... ظلّوا بعيدين.

غضب الملك، ولام الشيخ، وظنّ أنه فشل. صوّت الوزراء موافقين: "لقد أخطأ الشيخ، يا مولانا".

بعد أيام، دخل فلاحٌ بسيطٌ إلى قصر الملك. كان ثوبه مبلّلًا بالطين، لكن عينيه تحملان بريق الحكمة. قال بهدوء: "يا مولاي، لقد أمطرت السماء منذ شهر، وأرضك الطيبة أنبتت خيرًا وفيرًا". ابتسم الملك وقال: "الأرض الطيبة تُخرج الطيب، أيها الفلاح".

بعد شهر، عاد الفلاح، وقال: "المطر لا زال يتساقط، لكن الأرض الصحراوية لم تُنبت سوى الشوك". فأجاب الملك: "الصحراء لا تُنبت طيبًا، والمطر لا يُلام".

عاد الفلاح مرةً ثالثة بعد شهر. انحنى وقال: "يا مولاي، المطر ينهمر على الصخور منذ شهر، لكنها لم تُخرج زرعًا". قال الملك بثقة: "الصخر لا ينبت، حتى لو سال عليه المطر سنينًا".

هنا ابتسم الفلاح وقال بلطف: "وهكذا، يا مولاي، الشيخ كالمطر، ينزل برفقٍ على القلوب، فإن كانت الأرض طيبة استقبلت الماء وأزهرت... وإن كانت قاحلة فلا لوم عليه".

سكت الملك لحظة، ثم نادى الحاشية: "أعيدوا الشيخ فورًا... لقد ظلمناه". ثم كتب له رسالة، جاء فيها: "أيها الشيخ المبارك، دعوتَ بحكمة، فمن استجاب فقد طابت أرضه، ومن لم يستجب، فالله وحده يهدي من يشاء".

Post a Comment

أحدث أقدم