في أعماق غابة وارفة، تتمايل فيها الأشجار كأنها ترقص للمطر، وتتماوج الأعشاب في نسيم المساء، عاش الأسد العادل الذي ملك الغابة بحكمة، وجعل الأمن يسود بين سكانها من غزلان رشيقة ونمور قوية وفيلة ضخمة وزرافات سامقة وقرود مرحة.
مرّت الفصول، وجاء خريف هائج اقتلع الأشجار، وتبعه شتاء قاحل بلا قطرة مطر... حتى بدأ الربيع بأعشابه القليلة. شعر الأسد بالقلق على حيوانات الغابة، فأعلن اجتماعًا طارئًا، وخاطب الجميع بحزم واهتمام: "نبعنا وحده لن يكفي هذا الصيف... فكيف ننجو؟"
رفع الفيل خرطومه قائلاً: "لنحفر بركة، وننقل لها الماء من النهر البعيد." علت الهتافات، وغمرت الحماسة الجميع... إلا كبير النمور ورفاقه الكسالى، الذين تمردوا وقالوا: "النبع يكفينا".
بدأ العمل... الغزلان تنحت الأرض بقرونها، الزرافات تنقل التربة برشاقة، القرود تملأ الأكياس وتضعها على ظهور الفيلة، التي حملت التراب خارج الغابة. شهور من الجهد، والبركة الكبرى صارت واقعًا. ثم جاء الدور على الماء... تشكّلت سلاسل من القرود تمرر الدلاء من النهر للبركة، بينما الفيلة تفرغ خراطيمها داخلها.
وفي نهاية الربيع... امتلأت البركة عن آخرها، وجفّ النبع كما توقّع الأسد. حينها عطشت النمور، وحاولت التسلل، لكن الحراس المخلصين منعوها. جاء كبيرها مكسورًا، واعترف بخطئه.
اجتمعت الحيوانات، وقررت: "لها أن تشرب مرة في اليوم فقط... حتى تتعلّم أن الماء لا يُمنح، بل يُكسب بالعمل".
ومنذ ذلك الحين... لم تعد النمور تكتفي بالمشاهدة، بل أصبحت من أوائل المساهمين حين تُنادى الغابة للعمل.
إرسال تعليق