الشجرة الطيبة التي لا تكلّ من العطاء



 في قلب قرية صغيرة، ترفّعت شجرة عملاقة بكلّ جمالها، جذورها عميقة وأوراقها تلمع كالزمرد في ضوء الشمس. اهل القرية كانوا يأتون إليها بحثًا عن الظل والراحة، يجلسون تحت أغصانها الوارفة، يضحكون ويحادثون بعضهم البعض في ودّ وسلام. ثمارها الناضجة كانت لذيذة للغاية، يقطفها الكبار ويُعطونها للصغار، فتغصُّ بطون الأطفال بالسعادة مع كل قضمة.

على الجانب الآخر، عاشور كان يعيش بينهم، لكنه كان مختلفًا؛ قلبه امتلأ بالطمع. لم يرَ في الشجرة أكثر من مصدر ثروة شخصية تُنْعِمُه هو وحده. في صباح مشمس، دفعه جشعه إلى الحقل، وهناك لمح الشجرة بأطياب ثمارها. ختم في ذهنه: "هذه الشجرة يجب أن تكون ملكًا لي وحدي".

حين حلّ الليل، تسلل عاشور حاملاً فأسه إلى الشجرة الغافلة. ضرب جذعها بضربةٍ واحدة، فسقطت بعض الثمار عند قدميه. لم يكتفِ بضربةٍ أخرى: عاد الفأس فصفع الجذع من جديد، فتساقطت ثمارٌ أخرى بغزارة. تجمد عاشور في مكانه، دهشةً من سخائها. قرر أن يتركها وشأنها، وجلس تحتها يفكر: "كيف لهذه الشجرة أن تمنح ثمارها رغم أنني أضربها؟"

في الصباح التالي، جمع عاشور الثمار بجوار الشجرة في هدوءٍ وحذرٍ، ثم عاد إلى بيته دون أن يراه أحد. باشر زرع البذور الصغيرة في حقله، وسقاها كل يوم بحنان. بكفاحه وصبره نما حديقه تدريجيًّا، حتى امتلأ بالأشجار التي نسخت جمال الشجرة الأولى.

كل صباح، كان عاشور يقف بين أشجاره، يرويها بالماء، يهنيها بالتسميد، ويُشعرها بالأمان. ومع المساء، يجلس الأطفال حوله، وعيونهم تلمع حماسًا. يحكي لهم قصة الشجرة الطيبة، مُعلّمًا إياهم: "كونوا كالشجرة، حتى لو أتعبكم الناس، قدموا لهم الثمار."

Post a Comment

أحدث أقدم