في قَديمِ الزَّمانِ، عاشَ مَلِكٌ طَيِّبٌ نَبِيلٌ، يُحِبُّهُ الجَمِيعُ، ويَعرِفُ كُلَّ صَغِيرَةٍ وكَبِيرَةٍ في مَمْلَكَتِهِ.
وكانَ خَادِمُهُ يُقَدِّمُ لَهُ طَبَقًا خَاصًّا كُلَّ لَيْلَةٍ بَعْدَ العَشَاءِ. ولم يَكُنِ الخَادِمُ يَعرِفُ سِرَّ هَذَا الطَّبَقِ، وفي يَوْمٍ قَرَّرَ أَنْ يَكْتَشِفَ الأَمْرَ، فَرَفَعَ الغِطَاءَ، فَإِذَا بِهِ يَرَى ثُعْبَانًا أَبْيَضَ مَطْهُوًّا مَعَ الطَّعَامِ!
أَخَذَ قِطْعَةً وَتَذَوَّقَهَا، وَفَجْأَةً، سَمِعَ زَقْزَقَةَ العَصَافِيرِ خَارِجَ النَّافِذَةِ، وَسَمِعَ الطُّيُورَ تَتَحَدَّثُ عَنْ خَاتَمِ المَلِكَةِ المَفْقُودِ، الَّذِي أَكَلَتْهُ بَطَّةُ البُحَيْرَةِ!
فَذَبَحَ البَطَّةَ، وَاسْتَخْرَجَ الخَاتَمَ، وَسَلَّمَهُ إِلَى المَلِكَةِ.
فَأَرَادَ المَلِكُ مُكَافَأَتَهُ، فَقَالَ لَهُ:
ــ "مَاذَا تُرِيدُ؟"
فَقَالَ الخَادِمُ:
ــ "يَا مَوْلَاي، أُرِيدُ حِصَانًا وَبَعْضَ المَالِ لِلسَّفَرِ. فَقَدْ كَانَ حُلُمِي أَنْ أَرَى العَالَمَ."
🌲 وأثناءَ رِحْلَتِهِ فِي الغَابَةِ، وَجَدَ بَعْضَ الأَسْمَاكِ عَالِقَةً بَيْنَ الأَعْشَابِ.
فَقَالَتْ إِحْدَى الأَسْمَاكِ:
ــ "يَا لَنَا مِنْ مَسَاكِين! لَنْ نَنْجُوَ مِنَ المَوْتِ."
فَأَخَذَهُنَّ الخَادِمُ، وَأَعَادَهُنَّ إِلَى المَاءِ.
فَقَالَتْ لَهُ إِحْدَاهُنَّ:
ــ "لَنْ نَنْسَاكَ، وَسَنَرُدُّ لَكَ الجَمِيلَ."
🚶♂️ ثُمَّ وَاصَلَ السَّيْرَ حَتَّى سَمِعَ صُرَاخًا، فَإِذَا بِـمَلِكِ النَّمْلِ يَقِفُ غَاضِبًا وَيَقُولُ:
ــ "لِمَاذَا لَا يَبْتَعِدُ هَؤُلَاءِ البَشَرُ بِوُحُوشِهِم الجَاهِلَة؟! هَذَا الحِصَانُ بِحَوَافِرِهِ يَدُوسُ شَعْبِي بِلَا رَحْمَةٍ!"
فَأَوْقَفَ الخَادِمُ الحِصَانَ، وَاعْتَذَرَ، وَانْتَظَرَ حَتَّى عَبَرَ النَّمْلُ. فَقَالَ لَهُ مَلِكُ النَّمْلِ:
ــ "لَنْ نَنْسَاكَ أَبَدًا، وَسَنَرُدُّ لَكَ الجَمِيلَ."
🦅 وَبَعْدَ ذَلِكَ، رَأَى غُرَابَيْنِ عَجُوزَيْنِ يُلْقِيَانِ صِغَارَهُمَا، وَقَالَ أَحَدُ الصِّغَارِ:
ــ "كَيْفَ سَنَعِيشُ؟ نَحْنُ ضِعَافٌ، لَا نُحْسِنُ الطَّيَرَانَ، وَسَنَمُوتُ مِنَ الجُوعِ."
فَنَزَلَ الخَادِمُ، وَضَرَبَ حِصَانَهُ بِسَيْفِهِ، فَأَكَلَتِ الغِرْبَانُ الثَّلَاثَةُ مِنْهُ حَتَّى شَبِعُوا، وَقَالُوا لَهُ:
ــ "لَنْ نَنْسَاكَ أَبَدًا، وَسَنَرُدُّ لَكَ الجَمِيلَ يَوْمًا مَا."
🏰 وَصَلَ الخَادِمُ إِلَى مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ، وَسَمِعَ المُرْسَالَ يُعْلِنُ:
ــ "مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنِ ابْنَةِ المَلِكِ، عَلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَ مُهِمَّةً صَعْبَةً، وَإِلَّا فَسَيَفْقِدُ حَيَاتَهُ!"
فَذَهَبَ الخَادِمُ، وَوَقَعَ فِي حُبِّ الأَمِيرَةِ. فَقَالَ لِلمَلِكِ:
ــ "أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ابْنَتَكَ."
فَقَالَ المَلِكُ:
ــ "سَنَرَى! خُذُوهُ فِي قَارِبٍ، وَاتْبَعُونِي."
وَأَلْقَى المَلِكُ بِخَاتَمِهِ فِي البَحْرِ، وَقَالَ:
ــ "إِذَا لَمْ تَجِدِ الخَاتَمَ، سَنُلْقِيكَ فِي المَاءِ إِلَى الأَبَدِ!"
وَقَفَ الخَادِمُ مَذْهُولًا، حَتَّى ظَهَرَتِ الأَسْمَاكُ الثَّلَاثَةُ، وَقَدَّمُوا لَهُ صَدَفَةً.
فَلَمَّا فَتَحَهَا، وَجَدَ الخَاتَمَ! فَأَعَادَهُ إِلَى المَلِكِ.
👸 لكِنَّ الأَمِيرَةَ غَضِبَتْ، وَقَالَتْ:
ــ "لَا أُرِيدُ الزَّوَاجَ بَعْدُ! عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّي مُهِمَّةً أُخْرَى!"
وَأَمَرَتْ بِنَثْرِ عَشَرَةِ أَكْيَاسٍ مِنَ الحُبُوبِ فِي الحَدِيقَةِ، وَقَالَتْ:
ــ "اجْمَعْهَا قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَلَا تَتْرُكْ حَبَّةً وَاحِدَةً!"
فَجَلَسَ الخَادِمُ يَائِسًا، وَغَفَا.
وَفِي الصَّبَاحِ، اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ مَلِكَ النَّمْلِ وَالنَّمْلَ يَحْمِلُ جَمِيعَ الحُبُوبِ!
وَفِي المُهِمَّةِ الأَخِيرَةِ، قَالَتِ الأَمِيرَةُ:
ــ "أُرِيدُ تُفَّاحَةً ذَهَبِيَّةً مِنْ شَجَرَةِ الحَيَاةِ."
فَخَرَجَ الخَادِمُ، وَضَلَّ فِي الطَّرِيقِ، وَتَمَزَّقَ حِذَاؤُهُ، وَنَامَ تَحْتَ شَجَرَةٍ.
وَفِي الصَّبَاحِ، وَجَدَ الثَّلَاثَةَ غِرْبَانٍ، وَمَعَهُمْ التُّفَّاحَةُ الذَّهَبِيَّةُ!
فَقَالُوا لَهُ:
ــ "نَحْنُ مَنْ أَنْقَذْتَنَا. وَقَدْ طِرْنَا حَتَّى آخِرِ العَالَمِ، وَجِئْنَاكَ بِالتُّفَّاحَةِ."
🍎 فَعَادَ إِلَى الأَمِيرَةِ، وَقَسَمُوا التُّفَّاحَةَ نِصْفَيْنِ، وَأَكَلَاهَا سَوِيًّا، وَتَزَوَّجَا، وَعَاشَا فِي سَعَادَةٍ أَبَدِيَّةٍ.
🌟 العِبْرَةُ مِنَ القِصَّةِ:
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ، لَا يَذْهَبُ فِعْلُهُ سُدًى، وَسَيَجِدُ مَنْ يَرُدُّ لَهُ الجَمِيلَ يَوْمًا مَا، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
إرسال تعليق