الإخوةُ الثَّلاثةُ



كانَ يا ما كانَ في قَديمِ الزَّمانِ، مَلِكٌ يَملِكُ شَجرةَ تُفَّاحٍ عَجيبة، تُخرِجُ ثِمارًا من الذَّهَبِ! وكانَ البُستانيُّ يَعُدُّ التُّفَّاحَ كُلَّ يَومٍ، ويُخبِرُ المَلِكَ بعددِهِ.

وذاتَ صَباحٍ، جاءَ البُستانيُّ إلى المَلِكِ وقالَ:
ــ يا سَيِّدي المَلِك، لقد نَقَصَتْ تُفَّاحةٌ!

غَضِبَ المَلِكُ بشدَّةٍ وقال:
ــ مَن سَرَقَها؟! لَنْ أترُكَ هذا اللِّصَّ!

وفي المَساءِ، كَلَّفَ البُستانيُّ ابنَهُ الأكبرَ بِحِراسةِ الشَّجرةِ، ولكنَّهُ غَلَبَهُ النَّومُ، وفي الصَّباحِ نَقَصَتْ تُفَّاحةٌ أُخرى.

فقالَ البُستانيُّ:
ــ سَأُرسِلُ ابني الثَّانيَ اللَّيلةَ القادمةَ.

ولكن في مُنتَصَفِ اللَّيلِ، نامَ الابنُ الثَّاني أيضًا، وفي الصَّباحِ نَقَصَتْ تُفَّاحةٌ أُخرى!

حينها، تَقَدَّمَ الابنُ الأصغرُ وقالَ:
ــ سَيِّدي المَلِك، اسمَح لي أن أحرُسَ الشَّجرةَ الليلةَ.

وافقَ المَلِك، وعِندَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ، سَمِعَ الابنُ الأصغرُ خَفقَ أجنِحةٍ في السَّماءِ، فإذا بطائرٍ عَجيبٍ، رِيشُهُ مِنَ الذَّهَبِ!

رآهُ يُقَدِّمُ التُّفَّاحةَ بمنقارِهِ ليأخُذَها، فرَمى عليهِ الابنُ الأصغرُ سَهمًا، فلم يُصِبه، لكنَّهُ أسقَطَ ريشةً ذهبيَّةً من ذيلِهِ وهَرَب.

وفي الصَّباحِ، قَدَّمَ الرِّيشةَ إلى المَلِك، فأُعجِبَ بها المَجلسُ، وقال المَلِك:
ــ ريشةٌ واحِدةٌ لا تكفي! أُريدُ الطَّائرَ كلَّهُ! مَن يُحضِرُهُ لي؟

تَطَوَّعَ الابنُ الأكبرُ، وخرجَ في الطَّريقِ حتّى وَصلَ إلى الغابةِ، فَقابَلَ ثَعلبًا في الطريقِ.

أخرجَ قَوسَهُ لِيَقتُلَهُ، لكنَّ الثعلبَ قال:
ــ لا تَقتُلني! سَأُعطيكَ نَصيحةً.

فقالَ:
ــ وما هي؟

قالَ الثعلبُ:
ــ الليلةَ، ستَصِلُ إلى قَريةٍ بها فُندُقَان، أحدُهُما جَميلٌ، والآخَرُ قَديمٌ. نَمْ في القَديمِ.

سَخِرَ الابنُ وقال:
ــ أأَنصَتُ لِثَعلبٍ؟!

وأطلقَ سَهمًا لِيَقتُلَه، لكنَّهُ أخطأ، وهَرَبَ الثعلب. ثم ذهبَ إلى الفُندُقِ الجميلِ، وأكلَ وشَرِبَ حتّى نَسِيَ أمرَ الطائرِ.

وكذلِكَ فَعَلَ الابنُ الثَّاني، حيثُ أغراهُ الفندقُ الجميلُ، ونَسِيَ مهمّتَهُ.

بعدَ وقتٍ، قالَ الابنُ الأصغرُ لأبيه:
ــ دَعني أُجرِّب، يا والدي.

قالَ الأبُ:
ــ خَسِرتُ ابنيَّ، ألن أفقِدَك أيضًا؟

قالَ الابنُ الأصغرُ بثقةٍ:
ــ لا تخَف، سَأعودُ.

وفي الطريقِ، قابَلَ الثعلبَ الذي قال له:
ــ نَمْ في الفُندُقِ القَديمِ، وركَبَ الابنُ على ذَيلِ الثعلبِ ووَصَلاهُ سريعًا.

وبِالفعلِ، نامَ في الفُندُقِ القَديم، وفي الصَّباحِ قابَلَ الثعلبَ مجددًا، وقال له:
ــ ستَجِدُ الطَّائرَ في قَفَصٍ خَشبيٍّ، وبِجانِبِهِ قَفَصٌ ذَهبيٌّ. لا تُبدِّلهُما.

دخَلَ الابنُ القصر، ووجدَ الطَّائرَ، لكنَّهُ قال:
ــ عَيبٌ أن آخُذَ طائرًا ذهبيًّا في قفصٍ خشبي!

فأمسَكَ القَفَصَ الذَّهبيَّ، فصاحَ الطائرُ، وأُمسِكَ بهِ. وفي الصَّباحِ، حُوكِمَ وأُصدِرَ الحُكمُ عليهِ بالإعدامِ.

لكنَّهُ قالَ للملك:
ــ أرجوكَ سامِحني!

قالَ الملك:
ــ سأَعفو عنكَ إن أتيتَني بـالحِصانِ الذَّهبيِّ.

خرجَ الشابُّ، والتقى بالثعلبِ، وعاتبَه:
ــ لماذا لم تَسمَع كلامي؟

ثم قال له:
ــ لا تَضَعِ السَّرجَ الذَّهبيَّ على الحصانِ.

لكنَّهُ لم يُطِعْ، ووُضِعَ في السِّجنِ مُجددًا، وطُلِبَ منهُ أن يُحضِرَ الأميرةَ الجميلةَ.

قابَلَ الثعلبَ مرَّةً أُخرى، وأعطاه الخُطَّة:
ــ قَبِّلِ الأميرةَ في مُنتَصَفِ اللَّيلِ، ولا تَدَعْها تُودِّعُ أهلَها.

لكنَّهُ وافقَ على طَلبِها، وأُمسِكَ به. وأمرهُ الملك أن يُزِيلَ تلًّا ضَخمًا في ثمانيةِ أيام.

في اللَّيلةِ السَّابعةِ، جاءَ الثعلبُ وساعدَهُ، وهَدَمَ التلَّ، فأعطاهُ الملكُ الأميرةَ، ثم عادَ إلى الملوكِ الأُوَلِ بالحِصانِ والطَّائرِ.

نَفَّذَ خطَّةَ الثعلبِ بدقَّةٍ، واستعادَ كلَّ شيء، وشَكَرَهُ.

فقالَ لهُ الثعلبُ:
ــ أرجوك، اقتُلني الآن.

قالَ:
ــ لا، أنتَ صَديقي!

قالَ:
ــ إذًا احذَرْ! لا تُحرِّرْ أحدًا منَ المَشنَقَةِ، ولا تَجلِسْ بجِوارِ النَّهرِ!

لكنَّهُ رأى إخوتَهُ على المَشنَقَةِ، فأنقذَهُما، وجلسَ معَهُما عند النَّهرِ، وهناكَ خاناهُ وألقَياهُ في الماءِ!

لكنَّهُ سَقَطَ على صَخرةٍ، ولم يغرقْ، وجاءهُ الثعلبُ وسحَبَهُ من الماءِ.

قالَ له:
ــ إخوتُكَ خَطَّطوا لِقتلِكَ! البَسْ ثَوبًا بسيطًا، وتَسلَّلْ.

وبِالفعلِ، عادَ إلى القصرِ، وما إن رآهُ الحِصانُ حتّى أكلَ، والطَّائرُ غنَّى، والأميرةُ ضَحِكَت.

فأخبرَ الملكَ بالحقيقةِ، وسُجِنَ الإخوةُ، وتَزَوَّجَ الابنُ الأصغرُ الأميرةَ، وورِثَ المملَكةَ.

وفي نِهايةِ القصةِ، عادَ إلى الغابةِ، حيثُ قابَلَ الثعلبَ من جديدٍ.

قالَ الثعلبُ:
ــ أرجوكَ! اقتُلني!

فقال:
ــ سأفعَلُها مُجبرًا، يا صَديقي.

وما إن قَتَلَهُ، حتّى تحوَّلَ إلى أميرٍ وسيمٍ، كانَ هو شقيقَ الأميرةِ الذي فُقِدَ مُنذُ سِنين!


الحِكمَةُ من القِصَّةِ

كُن مُطيعًا، واصغِ للنَّصيحة، فالغرورُ والتمرُّدُ يُؤدِّيان إلى الخُسارة، بينما الطِّيبُ والحِكمةُ يَصنَعان النَّجاح.

Post a Comment

أحدث أقدم