جنّات الفاخرة



كانت جنّات طفلة في الثامنة من عمرها، مختلفة عن باقي الأطفال... لا تهتم كثيرًا بالحلوى أو الألعاب، بل تحب شيئًا غريبًا جدًا: سلطة الدجاج! وبينما يفضل معظم أصدقائها البطاطا المقلية أو السندويشات السريعة، كانت جنّات تجلس بثبات على كرسيها في المطبخ، تتأمل سلطتها وتحاول جعلها "مبهجة" أكثر.

في كل صباح، كانت ترتدي حذاءها المطاطي الأحمر، ومعطفها الأزرق المزركش، ثم تتجه إلى قن الدجاج وهي تزحف بمرح على مرفقيها لتتفقد بيض "بيتونيا"، دجاجتها المفضّلة. كانت تلف حول البيض وشاحًا صوفيًا ناعمًا، مرقّطًا بالأحمر والأزرق، وكأنه بطانية صغيرة تحمي كنزًا ثمينًا.

وذات صباح، بينما كانت تمضغ بهدوء، خطر لها أنها نسيت شيئًا مهمًا في سلطتها... الكرفس! لحسن الحظ، كان لا يزال مزروعًا في حديقة والدتها. ركضت جنّات، قطفت ساقًا ضخمة، ثم عادت بسرعة إلى المطبخ، وغسلته بقوة، لكن حين أضافته إلى سلطتها، شعرت أن السلطة تبدو... باهتة! لا لون فيها. لا حيوية.

وقفت تفكّر، وأصابع قدميها الصغيرة تنقر على المقعد متعدد الألوان، ثم صاحت: "هذه السلطة تحتاج إلى المزيد من الألوان!"

بدأت بكتابة قائمة بكل الألوان التي تعرفها. الأحمر، الأزرق، الأصفر، الأخضر، الأرجواني... لكن ما يناسب السلطة؟ أخذت تحذف وتحلل، وحين دخل أخوها ميك إلى المطبخ وسألها عمّا تفعل، أجابته بصوتٍ مشتت: "أنا فقط أعدّ سلطة الدجاج."

ضحك ميك وقال: "هل ستضعين قوس قزح فيها؟"

ثم سرق قطعة من السلطة من الوعاء، ورفعت جنّات الوعاء فوق رأسها لحمايته! قالت بغضب: "لا تزال تنقصني الأحمر والأزرق والأرجواني... والأصفر!"

رد ميك وهو يضحك: "قولي لي عندما تنتهين من تصميم قوس قزح الدجاج! سأعود لاحقًا!"

خرج ميك، وبقيت جنّات تفكّر. وضعت علامات على قائمتها، وبدأت تزيل الألوان التي أضافتها بالفعل: – التوت البري الأحمر المجفف – التوت الأزرق الطازج – العنب الأرجواني

لكن الأصفر... ما هو الأصفر؟!

صوت غامض همس في أذنها: "فكّري يا عزيزتي... شيء حلو وأصفر ولذيذ."

ارتجفت جنّات وسألت: "من يتحدث؟!"

أجاب الصوت: "أنا لست من... أنا ماذا."

ثم ظهر وشاحها الصوفي المرقّط في الهواء، يطير ويرقص كأن نسيمًا يحمله! قال لها: "أنا وشاحك... وأنا سحري."

بدأ الوشاح يهمس إليها عن الأشياء السحرية في الحياة: كيف يتحول البيض إلى دجاج؟ كيف يصنع النحل العسل؟ كيف تسقط رقاقات الثلج بأشكال مذهلة؟

ابتسمت جنّات وقالت بصوتٍ مشرق: "الأناناس! الأصفر هو الأناناس!"

وفي اللحظة نفسها، طرقت امرأة عجوز باب المطبخ الخلفي. دخلت وهي تحمل سلة مغطاة بالقماش الأحمر والأزرق، وتقدّمت نحو جنّات.

قالت لها بابتسامة: "هل سمعتك تصرخين: أناناس؟"

احمرّ وجه جنّات وقالت بخجل: "نعم! كنت أعدّ سلطة الدجاج."

ردت المرأة العجوز بلطافة: "أنا أحب سلطة الدجاج كثيرًا... وقد جلبت لك ما ينقصك."

فتحت جنّات السلة، وإذا بها ترى... أناناسًا طازجًا لامعًا!

فهمت جنّات أن السحر لا يأتي عندما نطلبه، بل حين نحسّ به في القلب. السحر كان في فكرة بسيطة، في وشاحٍ قديم، في سلطة دجاج، وفي لحظة صدق مع الذات.

ومن يومها، أصبحت جنّات ليست فقط فتاة تحب السلطة... بل أصبحت جنّات الفاخرة، التي ترى الجمال والسحر في كل شيء حولها 🍍✨

Post a Comment

أحدث أقدم